فتوى بشأن النيابة في حج الفريضة والتطوع
د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI
13/06/2023 القراءات: 612
س: هل تجوز النيابة في حج الفريضة والتطوع ؟
ج: وقع خلاف بين أهل العلم، في هذه النيابة، ونرى فيها تفصيلا:
الأصل في العبادات أن المسلم مكلف بنفسه في أدائها ما دام قادرا عليها؛ لأنه هو المطالب بها شخصياً قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: 97) فالعبادات يقصد بها تحصيل صاحبها مقصود التعبد والخضوع لله تعالى، فمن كان قادراً على أن يحج بنفسه، فإنه لا يجوزُ له أن يوكلَ غيره ولا يَستنيب مَن يحُجُّ عنه حجَّةَ الفريضة، واجمع الفقهاء على ذلك.
والحج مقيد بثلاثة أنواع من الاستطاعات، وهي: الاستطاعة البدنية والمالية وأمن الطريق وما يلحق به من اجراءات السفر وتأشيرات دخول بلاد الحرمين، ولكل منها حكمه، وكما يأتي:
اولا: الاستطاعة البدنية: القادِر على الحجِّ ببَدَنِه، لا يَنتَقِلُ الفَرضُ إلى غيره إلَّا فيما ورَدَتْ فيه الرُّخصةُ، وهو: إذا عجَزَ عنه، أو كان مَيِّتًا، وبَقِيَ فيما سواهما على الأصلِ، فلا تجوزُ النِّيابةُ عنه ، إن عجز المسلم عن ذلك بدنيا ولا يتمكن بنفسه من الوصول إلى بيت الله، لمرض مزمن لا يُرجى شفاؤه أو زواله، ولا يقوى بسببه على السفر، أو لكبر سنه بحيث لا يستطيع الثبات على أية وسيلة من وسائل النقل، وكان له مال فيجب عليه أن يوكل أو يُقيمَ من يحُجُّ عنه الفريضة، فقد جاءتْ النبي صلى الله عليه وسلم امرأةٌ مِن خَثعَم تستَفتيه، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِه في الحَجِّ، أدرَكَت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيعُ أن يثبُتَ على الرَّاحلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجَّةِ الوداعِ، أخرجه البخاري، فقد أقرَّ عليه الصلاة والسلام المرأةَ على وَصْفِ الحجِّ عن أبيها بأنَّه فريضةٌ، مع عَجزِه عنه ببَدَنِه، فدلَّ على أنَّ العاجزَ ببَدَنِه القادرَ بمالِه؛ يجب عليه أن يُنيبَ، وأنَّ الاستطاعةَ تكونُ بالغَيرِ كما تكونُ بالنَّفسِ.
وإن كان يرجو زوال المرض فإنه ينتظر حتى يكتب الله تعالى له الشفاء والعافية، فيؤدي فريضة الحج بنفسه، فإن خشي أن يطول ذلك فله أن يوصي بذلك فيحوز الأجر كاملا، ويؤدى عنه بعد موته، ومثله من مات ولم يحج فيجوز لورثته وغيرهم أن يحج نيابة عنه.
وأصل هذه المسألة تعود الى التوكيل بالحج أو التبرع به من غيره، ويجوز في حالتين:
الأولى: إذا تُوفي إنسان مسلم قد وجب عليه الحج ولم يحجّ، وترك مالا يجب على ورثته أن يستأجروا من تركته من يحجّ عنه، لأن من مات وعليه حجٌّ واجبٌ، بقِيَ الحجُّ في ذِمَّتِه، ووَجَبَ الحجُّ عنه مِن رأسِ مالِه، سواءٌ أوصى به أم لا، وإن لم يترك مالا جاز لهم ذلك، وهو من البرِّ بهم، ولو حج عنه مسلم متبرّعًا جاز، سواء كان من ورثته أم من غيرهم، فقد جاءت امرأةٌ مِن جُهينةَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: إنَّ أمِّي نذَرَتْ أن تحُجَّ، فلم تحُجَّ حتى ماتتْ، أفأحُجُّ عنها؟ قال: نعم، حُجِّي عنها، أرأيتِ لو كان على أمِّكِ دَينٌ أكنتِ قاضِيَتَه؟ اقضُوا اللهَ؛ فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ، اخرجه البخاري، وأنَّ امرأةً نذرت أن تحُجَّ فماتت ، فأتَى أخوها النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فسأله عن ذلك ، فقال : أرأيتَ لو كان على أختِك ديْنٌ ، أكنتَ قاضيَه ؟ قال : نعم، قال : فاقضوا اللهَ ؛ فهو أحقُّ بالوفاءِ، اخرجه أحمد والنسائي، وفيهما: أنّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ شبَّهَ الحجَّ الَّذي عليها بالدَّينِ، وهو واجبُ القَضاءِ، وأنَّه حقٌّ تدخُلُه النِّيابةُ، لَزِمَها في حالِ الحياةِ، فلم يسقُطْ بالموتِ، كدَينِ الآدَميِّ، ولم يستفْصِلْ عليه الصلاة والسلام من الأخ، أهو وارِثُها أم لا؟ فدلّ على عمومه؛ لأن عدم الاستفصالِ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُنَزَّلُ منزلةَ العُمومِ القوليِّ، وفي حديث آخر: قالت: إنَّها لم تحُجَّ قَطُّ، أفأحُجُّ عنها؟ قال: حُجِّي عنها، أخرجه مسلم، فدلا على مَشروعيَّة النِّيابةِ في الحجِّ عن الميِّتِ، وأنه يجوزُ التبَرُّعُ بالحجِّ عن الميِّتِ، سواءٌ مِنَ الوارِثِ أو مِنَ الأجنبيِّ، وسواءٌ أذِنَ له الوارِثُ أم لا.
الحالة الثانية: إذا كان المسلم مريضاً مرضًا لا يُرجَى شفاؤه، أو هرِمًا لا يستطيع السفر وله مال، وجب عليه أن يوكّل من يحجّ عنه ولو بأجرة، ولو حج عنه مسلم متبرّعًا جاز، سواء كان من ورثته أو غيرهم .
وقيد بعض الفقهاء جواز النيابة في حج الفريضة فقط، وهذا ما ثبت في الاحاديث، ولأنَّه إنما جازَ الاستنابة في الفرضِ للضَّرورة، ولا ضرورةَ في غيره، فلم تَجُز الاستنابةُ فيه، كالصَّحيحِ، ويرى آخرون أنه لا تجوزُ الاستنابةُ في حجِّ النَّفْلِ أو التطوع إلَّا عن المَيِّتِ والحيِّ المعضوبِ وهو العاجز بدنيا عجزًا لا يُرجى زوالُه؛ لأنَّ النِّيابةَ في الحَجِّ إنَّما شُرِعَتْ للمَيِّتِ أو العاجِزِ عن الحَجِّ، فما ثبَتَ في الفرْضِ ثبَتَ في النَّفْلِ، وأنَّه يُتوسَّعُ في النَّفْلِ ما لا يُتوسَّعُ في الفَرْضِ.
ثانيا: الاستطاعة المالية، فمن تعسرت عليه الاستطاعة المالية ولا يملك نفقة الحج ومن يعول فلا يجب عليه الحج حتى يتمكن ماليا؛ لأنه لا يكلف الله نفسا الا وسعها، ولا تكليف الا بمقدور.
ثالثا: ومن كان يملك الاستطاعة البدنية والمالية ولكنه لا يستطيع السفر للحج بسبب اجراءات السفر المتعلقة به شخصيا أو بدولته والدولة المضيفة أو عدم ظهور اسمه بقرعة الحج المعتمدة بسبب تحديد نسبة الحجاج لكل بلد، ففي هذه الحالة لا يكلفُ أحدا بالحج نيابة عنه ؛ لأنه أمر عارض يرجى زواله كالمرض الذي يرجى برؤه ، وهو في حكم الاحصار وهو عارض مؤقت، وله أن يوصي بذلك.
الحج- مقاصد الحج - فقه الحج- حج النيابة- الحج عن الميت- طه الزيدي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع