مدونة د/ سامح سعيد عبد العزيز أبو شادي


كيف غيرت حرب العاشر من رمضان (أكتوبر 1973) موازين القوى في الشرق الأوسط؟

د/ سامح سعيد عبد العزيز | dr/ sameh said abd el aziz shady


10/03/2025 القراءات: 5  


لم تكن حرب العاشر من رمضان مجرد مواجهة عسكرية بين مصر وإسرائيل، بل كانت زلزالًا استراتيجيًا هزّ موازين القوى في الشرق الأوسط وأعاد تشكيل المشهد السياسي والعسكري في المنطقة. ففي يوم السادس من أكتوبر عام 1973، الموافق للعاشر من رمضان، اندفعت القوات المصرية والسورية في هجوم كاسح على الجبهتين، محطمة أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر" ومغيرة معادلات القوة التي سادت منذ نكسة 1967. لقد أثبتت هذه الحرب أن الإرادة الوطنية والتخطيط الدقيق يمكن أن يكسرا الغطرسة العسكرية، مما أعاد للعرب ثقتهم في أنفسهم، وفرض واقعًا جديدًا على الساحة الدولية.
التخطيط العسكري والضربة المفاجئة
استندت حرب أكتوبر إلى استراتيجية عسكرية دقيقة، حيث استطاعت مصر وسوريا تحقيق عنصر المفاجأة التامة في توقيت مدروس بعناية، مستغلين صيام الجنود العرب وانشغال الإسرائيليين بعيد الغفران. انطلقت الحرب في الثانية ظهرًا بقصف جوي كثيف شلّ مراكز القيادة الإسرائيلية، أعقبه زحف بري بطولي عبر قناة السويس، حيث اخترقت القوات المصرية التحصينات الإسرائيلية المنيعة في ساعات قليلة، مكبدة العدو خسائر فادحة. تحطيم خط بارليف، الذي كان يُعد أقوى خط دفاعي في العالم، كشف عن ذكاء التخطيط العسكري المصري، الذي استخدم خراطيم المياه بدلاً من القنابل لفتح الثغرات في الساتر الترابي الضخم، في خطوة عكست مدى عبقرية التفكير العسكري المصري.
مظاهر بسالة الجندي المصري وتأثيرها على مسار الحرب
لعب الجندي المصري دورًا أسطوريًا في هذه الحرب، حيث جسّد معاني التضحية والإصرار على تحقيق النصر، متحديًا كل الصعاب التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي. ومن أبرز مظاهر هذه البسالة:
• الروح القتالية العالية: خاض الجنود معارك ضارية بروح معنوية غير مسبوقة، مدفوعين بحلم استعادة الأرض والثأر لكرامة الأمة.
• الابتكار العسكري والتكتيكي: استخدم المصريون تكتيكات غير تقليدية، مثل تدمير الدبابات الإسرائيلية بصواريخ "ساجر" المحمولة على الكتف، مما جعلها عاجزة عن التقدم في الميدان.
• الصمود البطولي في المواجهات المباشرة: كما حدث في معركة المزرعة الصينية، حيث تصدى الجنود المصريون لهجمات إسرائيلية متكررة، محققين إحدى أعظم ملاحم الصمود العسكري في العصر الحديث.
انعكاسات الحرب على موازين القوى في الشرق الأوسط
1- انتهاء أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر
قبل حرب أكتوبر، كانت إسرائيل تتباهى بقدرتها العسكرية الفائقة، لكن هذه الحرب جاءت لتكسر هذه الصورة الزائفة، حيث تلقى الجيش الإسرائيلي هزيمة قاسية، وانكشفت نقاط ضعفه أمام العالم. لقد أدركت إسرائيل لأول مرة أنها ليست بمنأى عن الهزيمة، وأن العرب قادرون على إعادة رسم المشهد العسكري متى امتلكوا الإرادة والتخطيط الجيد.
2- إعادة الثقة للعالم العربي
أعادت حرب أكتوبر للعرب ثقتهم في أنفسهم، بعد سنوات من الشعور بالضعف والانكسار عقب نكسة 1967. كان هذا النصر بمثابة رسالة واضحة بأن الوحدة والتخطيط السليم قادران على قلب موازين القوى، وهو ما انعكس في تصاعد الحركات التحررية في العالم العربي، وتزايد الدعم للقضية الفلسطينية.
3- تغير موازين القوى الدولية
دفعت الحرب القوى العظمى، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إلى إعادة تقييم سياساتها في الشرق الأوسط، حيث أدركت واشنطن أن دعم إسرائيل المطلق قد يؤدي إلى فقدان نفوذها في العالم العربي، بينما سعت موسكو إلى تعزيز تحالفاتها مع الدول العربية. وأدى ذلك إلى تدخل الدبلوماسية الدولية بشكل مكثف، مما مهد لاحقًا لاتفاقيات مثل فك الاشتباك بين مصر وإسرائيل عام 1974، ثم اتفاقية كامب ديفيد في 1978.
4- الصدمة الاقتصادية لإسرائيل وأثر النفط العربي
لأول مرة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، استخدمت الدول العربية سلاح النفط بفاعلية ضد الغرب، حيث قررت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) فرض حظر نفطي على الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل. تسبب ذلك في أزمة طاقة عالمية، أضعفت الاقتصاد الإسرائيلي وأجبرت القوى الكبرى على إعادة حساباتها، مما عزز النفوذ العربي في الساحة الدولية.
5- بداية المسار الدبلوماسي لحل الصراع العربي-الإسرائيلي
لم تكن حرب أكتوبر مجرد انتصار عسكري، بل كانت أيضًا نقطة انطلاق لمسار دبلوماسي جديد. فبعد تحقيق مكاسب استراتيجية على الأرض، وجدت إسرائيل نفسها مجبرة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، مما أدى إلى إعادة سيناء لمصر بموجب اتفاقية السلام عام 1979. وهكذا، أثبتت الحرب أن القوة العسكرية يمكن أن تفرض واقعًا سياسيًا جديدًا.
واقولها بشكل مؤكد لقد غيرت حرب العاشر من رمضان (أكتوبر 1973) موازين القوى في الشرق الأوسط، ليس فقط بانتصارها العسكري، ولكن بتأثيراتها السياسية والاستراتيجية العميقة التي استمرت لعقود. فقد أعادت للعرب هيبتهم، وأكدت أن الإرادة الوطنية قادرة على تحدي أقوى الجيوش، وأثبتت أن التخطيط الجيد يمكن أن يحقق المستحيل. سيظل هذا النصر علامة مضيئة في تاريخ الأمة العربية، ودليلًا على أن الشعوب التي تؤمن بقضيتها تستطيع فرض إرادتها، مهما كانت التحديات.


حرب العاشر من رمضان - أكتوبر 1973- موازين القوى- الشرق الأوسط


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع