الجامعات الليبية ووهم التصنيفات العالمية
حسين سالم مرجين | Hussein Salem Mrgin
15/03/2023 القراءات: 418
انتشرَ خلالَ الأيامِ الماضيةِ خبر عن مشاركة عدد من الجامعات الليبية في تصنيف UniRanks)) وعلى ذلك، أحاولُ في هذه المقالة أن أرسمَ الصّورةَ الحقيقيةَ لماهية هذا التصنيف – المزعوم –، فضلا عن تحديد المسارات المطلوبة للجامعات الليبية، بدل من البحث عن أوهام غير حقيقية، كي تبدو الصّورة واضحة لنا، وهي باختصار، تقول:
• بأنّ التصنيف المذكور هو تصنيف جديد في سوق التصنيفات، صدر له أول تقرير سنة 2023م، ومن أرادَ التّفاصيل يمكنه الرّجوع إلى موقعِ التصنيف على الشّبكةِ الدّوليّة للمعلومات ليستزيد.
• لا أحد من الخبراء في الجودة وضمانها في التعليم العالي في المنطقة العربية يعرف مدى مصداقية ومهنية هذا التصنيف.
• هناك عدد من الدول العربية ليس لها أي معرفة أو تعاون أو علاقة مع هذا التصنيف، مثل دولة لبنان، ومملكة البحرين، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية.
• اليقظة وتوخي الحذر في التعامل مع مثل هذه التصنيفات كونها تتبع مؤسسات ربحية، والتي لا تقدم أي شئ للجامعات الليبية، نظير حصولها على الربح المادي ، بالتالي سوف تجعل بعض الجامعات الليبية تعيش في وهم الحصول على تراتيب غير حقيقية، وهي الأكثر خداعًا.
• إن أيّ تعامل مع هذه التصنيفات – المزعومة – هو خطأ جسيم، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بقطاع مهم، وهو قطاع التعليم العالي.
• ما القيمة المضافة التي ستتحصل عليها الجامعات الليبية من التصنيف المذكور؟. وهنا يتبادر إلى ذهني مقولة للمفكر مالك بن نبي يقول فيها " إذا لم تُعلل فكرة ما وجودها على الصعيد الوطني بالربح الذي تجينه، فإنها لا يمكن أن تكون معصومة وكأنها آية قرآنية منزلة".
• إن الالتجاء إلى هذه التصنيفات هي أقرب إلى من يلتجئ إلى المُطبب الدجال الذي يوزع البركة على أناس يأتون للبحث عنها في دارها.
إنّ هذه الصّورة شارك في رسم مشهدها ثلّة من خبراءَ الجودة وضمانها في التّعليمِ بالمنطقةِ العربيّةِ، وهي خلاصةُ حوارٍ ونقاشٍ جرى يوم الثلاثاء الموافق 14 مارس 2023م م، لأعضاء وخبراء المؤسسة العربية العالمية لتطوير التعليم ومقرها المملكة الأردنية، برئاسة البرفيسور سلطان أبوالعربي الأمين العام السابق لاتحاد الجامعات العربية.
وحتّى لا تُثير هذه المقالة خائنة الأعين وما تخفي النّفوس فإنّها تنطلق من الشّعورِ بالمسؤوليةِ الوطنية اتّجاه جودة التّعليم العالي في ليبيا والمنطقة العربية برمتها، ولهذا، سوف أحرصُ في هذه المقالة إلى رصدِ عددٍ من النّقاطِ المهمّةِ من خلالِ النّظرةِ السّابرةِ العميقةِ، لندرك ما يراد بنا، أو حتى لا نكون مجالا للسخرية في الواقع التنافسي الذي نعيشه، فلا توجد مشكلة دون حلٍّ، إنّما توجد مشاكل مطروحة بطريقةٍ خاطئة، كما يقول اينشتاين، وعلى العمومِ، سأكتفي في هذا السّياق بالتّنويه لبعضِ النّقاطِ المهمّة، وهي:
1. الحاجة إلى الاعتراف بوجود مشاكل حقيقية تواجه التعليم الجامعي، مهما كانت مزعجة، والحاجة إلى وضع خطط للتحسين، تتوافر فيها كل الشروط والمتطلبات المعنوية والمادية لنجاحها، كي نحضر جامعاتنا بشكل أفضل.
2. إننا مجبرون على إعادة طرح السؤال : هل توجد خطة للتعليم العالي في ليبيا ؟. فالأمر يتعلق كما يقال بمعرفة ما إذا كان برامج وأنشطة الجامعات الحالية كافة تأتي بالضرورة كنتيجة لتوقعاتها المرسومة مسبقا، أم إن الأمر لا يزال كل يوما بيومه!.
3. قد يكون مفيدًا أنْ نشيرَ إلى حاجةِ التّعليمِ العالي في ليبيا إلى تحديدِ نموذجِ المرادِ الوصولِ إليه، حيثُ لا ندري ما هي وجهة التّعليم العالي ؟ كما لا ندري إلى أين يقودنا؟
وعليه، فإنّ نجاحَ أيِّ نموذجٍ يحتاجُ إلى الجرأةِ في التّنفيذِ، لكن لا أحدَ من مسؤولي التّعليمِ العالي يمتلكُ شجاعةَ جرأةِ التّنفيذِ؛ فالأفكار والنّماذج العظيمة تستدعي بالضّرورةِ وجود إدارةِ العزمِ، فالمركب الذي يقوده ربّان خائف لن يصل إلى وجهته، فعَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ، ولو نظرنا إلى بعضِ الدّولِ من حولنا سنجد واقعَ تلك الدّول يقول لنا: بأنه َتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
4. إننا نراهن على أهمية التركيز على تأصيل وتطبيق الجودة وضمانها في الجامعات الليبية؛ بدل البحث عن أوهام وإنجازات غير حقيقية من خلال تصنيفات وهمية، وهذا الأمر يحتاج إلى وجود شخصيات تعرف وتُقدر وتُمارس التضحيات، وهي تضحيات قد تكون قاسية ومؤلمة، حيث أن المؤلم فيها هو عدم إدراك المسؤولين – بشكلٍ خاص رؤساء الجامعات - حجم تلك التضحيات، فالأفكار العظيمة تستدعي بالضرورة التضحية سواء من حيث الوقت أو المال أو الجهد.
5. التأكيد على كون برامج الجودة وضمانها تهدف إلى تحريك كل الطاقات والموارد البشرية والمالية تحريكا يؤدي إلى خلق فعالية في أداء الجامعات، بحيث يجعلها أكثر تميزًا، والأفضل سمعة.
6. وأخيرًا يمكن القول بإنّ استمرارَ وجود بون شاسعا بين الجامعات الليبية والجامعات الإقليمية في التصنيفات العالمية المتعارف عليها لم يظل كذلك، إلّا لأنّ جامعاتنا الليبية لا تزال تفتقد إلى وجود إرادة سياسية حقيقية وجادة نحو مشروع نهضوي لإصلاح التّعليم، فشروق الشّمس لا تنتظر النّائمين.
الجامعات الللبية - التصنيفات العالمية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
احسنت النشر وعبرت عن ما يجيش في خواطرنا حول هذه القفزات الهوائية التي يقوم بها البعض معتقدا أنها قد ترفع من قيمة وتصنيف الجامعات الليبية.
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة