مدونة محمد كريم الساعدي


الاستشراق والمعرفة وتشويه الآخر / نقد ما بعد كولونيالي / الجزء الأول

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


28/03/2024 القراءات: 96  


إنَّ المنهج الذي سار عليه عدد من المستشرقين في إنتاج معرفة استشراقية قائمة على مبدأ التشويه والإساءة للرسول (محمد ص) ارتكز على عوامل مهمة من ضمنها البعد الديني و تأثيره على المستشرق ، أو على الصراع الحضاري الذي جعل من المستشرقين يبحثون في كل شيء ممكن أن يكون عاملاً مساعداً في هدم الحضارة الإسلامية في الشرق ، أو على مبدا نشر المعلومات المضللة التي يبحث عنها العقل الغربي في كون الشرق هو بلاد العجائب والغرائب و الأساطير، وهذا المبدأ استخدمه عدد من المستشرقين في نشر الكثير من المعلومات البعيدة عن الواقعية التي كان عليها الشرق الاسلامي آنذاك، لذلك فقد انتجت المعرفة الغربية الاستشراقية منهجاً سار عليه عدد لا يستهان به "من المستشرقين كان ولا يزال حتى الآن تأكيد الصورة المشوهة و المنحرفة عن الواقع التاريخي التي تبلورت معالمها منذ العصر الأوروبي الوسيط وغدت حقائق لا تقبل المناقشة ، بل تقليد منهجي.(...) . لقد أخطأ المستشرقون حيث تكلموا عن سيرة الرسول ( ص) الشخصية والعقدية فشككوا في أصالته (ص) بتهم باطلة " (1) ليس لها أي حقيقة واقعية ، ومما ساعد في ذلك بعض ما نسب للرسول (ص) من أقوال وأحاديث ملفقة وغير حقيقية ، أصبحت فيما بعد مادة للطعن والتشويه و خير دليل على ذلك ما تناوله سليمان رشدي في (آيات شيطانية) و غيرها من نتاجات تمت بصلة إلى هذه الروايات الملفقة التي اكدها الاستشراق في معرفته وكتاباته عن الإسلام وعن الرسول (محمد )(ص)، إذ اصبح ومع الأسف كالدستور عند البعض في تناول هذه الشخصية، بل و أُسست طرائق عليها جعلها البعض طرائق مهمة لحركته الاستشراقية ، وخير مثال على أن الاستشراق ومن يقف خلفه ثبتوا هذه المنهج ، حسب ما يقوله (الاسقف دي ميسفيل) وكيل إدارة البعثات التبشيرية في الشرق بروما يما يأتي :" إنَّ الهدف الذي يتعين على المبشر تحقيقه. . هو تحطيم قوة التماسك الجبارة التي يتميز بها الإسلام – أو على الاقل – إضعاف هذه القوة ، وإنَّ على المبشر أن يدرس ويتفهم ( قران محمد) ليعرف كيف يذكر الناس في الشرق بأنه كانت هناك مدنية مسيحية " (2) لكنه نسي أن المدنية المسيحية في الجزيرة أو بعض اطرافها كانت محدودة في قبائل معينة بينما كانت ديانات أخرى و منها اليهودية التي لا تؤمن بالمسيحية ، وكذلك ديانات وثنية منتشرة تبيح العديد من التصرفات السيئة ، مثل وأد البنات والاغارة على الجار الآمن و استباحت الحرمات وغيرها ، فهل كانت هذه التصرفات وغيرها من المدنية المسيحية ؟وهل أن الدين الاسلامي أضاف وشرع أمور أخرى اساءة للديانة المسيحية ؟ أم أنه حفظ حقوق الديانات الأخرى بالعيش الكريم في الجزيرة العربية ؟ وفي هذا المجال الذي يمكن للمتتبع الموضوعي أن يدرس هل كانت هناك مدينة مسيحية وجاء الإسلام و رسوله (ص) و حوّل الحياة إلى همجية و أساء إلى كل ما هو سليم ؟ أم أن الإسلام شرّع للقيم الإنسانية في هذه المناطق واشاع روح التعايش السلمي ؟ وخير دليل على ذلك أن الإسلام ورسوله (ص) عندما انتصر في مكة لم يقتل أو ينكل بالمشركين الذين آذوا الرسول (ص) بل جعل بيوتهم و ديارهم آمنة ، كما في القول المعروف عن الرسول (ص) من (دخل دار أبي سفيان فهو آمن) و توجد العديد من الاحداث و الدلائل التي تبرأ الإسلام ورسوله من ادعاءات الاسقف (دي ميسفيل) التي تروج لأضعاف المسلمين ، بل هي اقوال لا وجود لها من الصحة و لا دليل قوي و منطقي عليها . وهذا المنهج (المسيفيلي) الذي اصبح من القواعد المهمة في الطعن بالرسول (ص) و دينه الإسلامي في الحملات التبشيرية والتي تبناها عدد من المستشرقين في المرحلة ذاتها .


الاستشراق ،الآخر ، نقد ، ما بعد كولونيالي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع