مدونة أ د محمد مصطفى أحمد شعيب
فضل العشر الأواخر من رمضان: عشرٌ لا تعوض
فضيلة الدكتور محمد مصطفى أحمد شعيب | Dr. Mohammed Mostafa Ahmed Shoaib
21/03/2025 القراءات: 22
العشرُ الأواخرُ من رمضانَ هي أفضلُ أيامِ رمضان، ولياليها أفضلُ ليالِيه، وفيها ليلةُ القدرِ، وهي خيرٌ من ألفِ شهرٍ كما قال الله جل وعلا.
وليالي العشرِ الأواخرِ من رمضان أفضلُ ليالي السنةِ على الإطلاق، لوجودِ ليلة القدرِ فيها، وأيامُ العشرِ الأُولِ من ذي الحجةِ أفضلُ أيامِ السنةِ على الإطلاقِ لوجودِ يومِ عرفةَ فيها.
وكان من هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يجتهدَ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ اجتهادًا شديدًا، فعنْ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ) رواه مسلم.
وفي الصحيحين عن عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ). و(شَدَّ مِئْزَرَهُ) كناية عن الاجتهاد في الطاعة واعتزال النساء، فإنه وإن كان يجوز إتيان النساء ومباشرتهن في الليل حتى الفجر، إلا أن هذا الوقت الفاضل ينبغي ألا يضيع في هذا، وإنما يكون في التلاوة والقيام والذكر والدعاء. و(أَحْيَا لَيْلَهُ) كان يخلط العشرين الأول بنوم وصلاه فإذا دخل العشر أحياها كلَّها بالصلاة والعبادة، فلا مجال للنوم فيها. و(أيقظ أهله) للصلاة والعبادة.. وفيه إشارة إلى مسؤولية ربِّ الأسرةِ عن أسرته، فبعضُ الآباءِ وأولياءِ الأمورِ ربما تجدُهُ صالحًا في نفسِهِ يذهبُ للمسجدِ ويحافظُ على صلاةِ الجماعةِ بينما أولاده لا يصلون أصلًا، أو يصلون في المنزل ولا يشهدون الجماعة، وربما بناتِه بلا حجابٍ، أو يذهبُ هو للعمرة أو زوجتُهُ بينما أولادهما لا يذهبون للحرم قطّ، وهذا تقصيرٌ في تربيتهم، وهم محاسبون على ذلك أمام الله جل وعلا، فالواجب على الأبِ والأمِّ والراعي والمسؤول عن أمر الأسرة أن يربي أولاده وأسرته على طاعة الله جل وعلا ويعودهم عليها.
ولأجل الاستفادة أكثر من هذه العشر شرع الاعتكاف، فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعتكفُ العشرَ الأواخرَ من رمضان، والاعتكافُ هو لزمُ المسجدِ لطاعةِ الله جل وعلا، واعتكاف العشر الأواخر أن يدخل المسجد في بداية العشر الأواخر من رمضان ولا يخرج منه إلا مع ظهور هلال شوال ليلة العيد، وينقطع عن الناس تلك المدة فينشغل بالذكر والدعاء والطاعة والتلاوة والاستغفار وقيام الليل وغيرها من صنوف الطاعات.
قال النووي: (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ: وَمَنْ أَرَادَ الاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، لِكَيْ لَا يَفُوتَهُ شَيْءٌ مِنْهُ، ويَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ، سَوَاءٌ تَمَّ الشَّهْرُ أَوْ نَقَصَ، وَالأَفْضَلُ أَنْ يَمْكُثَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ، أَوْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى لِصَلاةِ الْعِيدِ إنْ صَلُّوهَا فِي الْمُصَلَّى).
عن عبدِ الله بنِ عُمرَ قالَ: (كان رسولُ الله يَعتكفُ العَشْرَ الأَواخِرَ من رمضانَ). رواه البخاري.
في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ). يقول الزهريُّ: (عجبت للمسلمين تركوا الاعتكاف مع أن النبي ما تركه منذ قدم المدينة حتى توفاه الله).
ومما تمتاز به العشر الأواخر: ليلة القدر، وهي خيرٌ من ألفِ شهرٍ، كما قال جل وعلا: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] أي أن عبادة ليلة واحدة يعطيك الله جل وعلا عليها أجر عبادة بضع وثمانين سنة.
{ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر: 4، 5] أي: تتنزل الملائكة والروح (جبريل) فيها، سلام هي حتى مطلع الفجر، يكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب لكثرة الطاعات.
روى الإمام مالك بلاغًا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم (أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ - أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ - فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ، مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ). ومعنى (تقاصر أعمار أمته) أي: رآها قصيرة، إذ هي: ما بين الستين إلى السبعين، وقليل من يتجاوز ذلك، والأمم من قبلنا تعيش مئات وآلاف السنين، فأعطاه الله ليلة القدر تعوض لأمته هذا الفرق الهائل في العمر.
وورد في فضل ليلة القدر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
وعلى المسلمين أن يجتهدوا في العشر الأواخر حتى يدركوا ليلة القدر، لاسيما الليالي الأوتار منها، في الصحيحين يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ). وفي رواية عند مسلم: (الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ - يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ - فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي).
وعند البخاري (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ).
وفي الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ).
العشر الأواخر، ليلة القدر، الاعتكاف، رمضان
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة