آداب الكاتب كما يراها السيد حافظ
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
07/01/2024 القراءات: 454
الكتابة مسؤولية بمعنى ما تدل عليه مفردات هذه الكلمة، وهي بهذا الوصف تعد تعبيرًا حقيقيا عن ضمير المؤلف، وبالتالي فالكتابات المزيفة التي لا تحمل قيمًا معرفية أو أخلاقية هي مجرد كتابات فاسدة مصيرها في نهاية الأمر إلى مزابل التاريخ ، وإن كتب لها الذيوع والشهرة والتداول، فهذه أمور مؤقتة لحظية تسير وفق السياق الذي يحيط بالواقع، كما أن العملات الرديئة يكثر رواجها في أزمنة الانحطاط والفساد، ولا شيء أكثر فسادًا من كاتب أو مؤلف يسخر قلمه لتزيف الحقائق والوعي والحقائق وأساليب أخرى كثيرة في هذا الصدد.
ربما هذا كان هذا متاحًا في الفترات السابقة من القرن العشرين في ظل غياب منابر إعلامية مفتوحة على كافة الأصعدة واحتكار المعرفة والحقيقة، وبالتالي التحكم فيها وإسقاط ما نريد إسقاطه، وترميز من نريد ترميزه؛ ولكن الآن أصبح الفضاء متاحًا للجميع، والكل يستطيع أن يعبر عما يقول، ويكتب ما يريد، وبأي صورة يريد، كما نقول من حق المبدع قول ما يريد؛ لكن كذلك من حق المتلقي قبول ذلك أو رفضه، فهذه هي قضية الحاضر والمستقبل.
رسالية الكاتب ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، وإنما هي ميثاق غليظ أخذه الله على أهل العلم فقال: (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)[ البقرة: 187].
فهي إذًا شهادة والشهادة لا يجوز كتمانها ، (تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[ البقرة 283]
إن السيد حافظ في مذكرات المليئة بالقضايا يقف معنا وقفة دقيقة يسرد فيها موقفًا عمليًا يوضح فيه رسالية الكاتب و الناقد و المبدع من خلال ما تعرض له مع دكتور عثمان موافي أستاذ الأدب والنقد في مرحلته الجامعية، وكانت القضية تحديدًا بخصوص موقف السيد حافظ من مسرحية توفيق الحكيم " أهل الكهف " وأنها ركيكة وضعيفة من حيث المستوى والتقنيات ، فتسبب له ذلك بالرسوب في المادة ، وفي ذلك يقول: " من هذا الموقف اتضح لي إننا شعب لا يقبل النقد إطلاقا . العظيم جمال حمدان قال في كتابه شخصية مصر عبارة مذهلة : إن المصري لا يقبل النقد ولا يحبه وإذا واجهته بعيوبه غضب وثار وصال وجال
هذا هو الدرس الغائب في الساحة العلمية برمتها ، الدرس الذي نصر على عدم تعلمه وتفهمه، الدرس الذي تسبب في تأخرنا سنوات ضوئية عن ركب المعرفة في كافة المجالات ، عدم قبول الحقيقة، وعندما واجه السيد حافظ أستاذه بعد ذلك في إحدى الندوات بهذا الموقف ، وأنه غير رأيه من النقيض إلى النقيض من أجل اجتياز المادة، هرول" وترك د. عثمان المكان وخرج. هنا تعلمت الدرس. "
هذا لا يقتصر على مجال الأدب والمسرح والساحات الأدبية والنقد،وإنما يمتد في كل جوانب الحياة، ولكل مجال فرسانه، وميدانه؛ ولكن السيد حافظ قال ما لم يقله الأخرون .
القضية الثانية : يفرق السيد حافظ بين مقولة الكاتب الكتبر وبين الابداع والريادة، فيقول:" الريادة غير الإبداع هذا موضوع آخر. وكلمة الكبير اليوم طرحها الأستاذ أشرف دسوقي في حوار : الكبير الكبير فلقتونا بها . ذبحنا. قولوا كبير في السن أو كبير المقام في المجتمع كوكيل وزارة على سبيل المثال أو في أي وظيفة كمدير عام . وهكذا. لكن كلمة كاتب كبير استهلكت. "
الإشكالية الكبرى أننا نضع قواعد تنظرية عظيمة وذات أجراس رنانة وموسيقية ، وفي النهاية لا نلتزم بشيء منها، كأنها كتب لغيرنا، أي عدم الالتزام بالموقف والتحلل من كل شيء.
والنتيجة :" كلنا نحب توفيق الحكيم لكن لابد أن ننقد توفيق الحكيم. فالكتاب ليسوا آلهة. فلنفتح الحوار. ولكن لا نصل إلى حد السب واللعن أحب توفيق الحكيم وأنقد توفيق الحكيم. أحب كل الكبار و أنقد كل الكبار. أحب نفسي وأنقد نفسي واتمرد على نفسي. ولا أحب التطاول والتجريح. فكل قامة لابد أن يكون لها مكانة ولكن هل بها عيوب؟ نعم بها عيوب فلسنا آلهة. فلنفتح الأبواب للعقلية النقدية فلا توجد ثوابت او آلهة. فلو الكل آلهة وهذه ثقافة فلماذا الشعب والعامة صاروا بهذا السلوك وتدهور الأخلاقيات وازدياد الحوادث و..و..و..و.. ، إذا كانوا هؤلاء آلهة وقدموا. نعم قدموا اكن الأمور تحتاج إلى وجهة نظر أخرى. كل الحب للرواد العظماء وكل الحب للشباب. الشباب يجب ان يحترم الكبار وينقدهم نقدا موضوعيا ويقول ماذا تعلم منه. انا تعلمت من توفيق الحكيم ويجب أن نعترف ومن نجيب محفوظ وغيره."
ممارسة النقد ليست جريمة، الجريمة هي التغاطيء عن الأخطاء عمدًا وقسرًا، وعدم بيان الحقيقة، وتزييف التاريخ للأجيال القادمة. إننا بحاجة لإعادة الأعتبار لقضية تناول المنجزات المعرفية وفق رؤية عملية موضوعية بعيدة عن التحيزات والقراءات المسبقة أو الموقف الأيدلوجي أو الشخصي، نحن بحاجة إلى تفعيل المناهج التي درسناها وندرسها وندرسها لطلابنا في كافة الحقول المعرفية ، بحاجة إلى المكاشفة والشفافية ووقفة حقيقة مع النفس لإظهار الحقيقة وتجاوز الخطأ.
آداب الكاتب كما يراها السيد حافظ
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع