مدونة ياسر جابر الجمال


الكوزموبوليتانية ثيمة ممتدة في تكوين الشخصية السكندرية

ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal


08/01/2024 القراءات: 144  



ظلت الإسكندرية كعادتها " بوتقة انصهرت فيها كل الأجناس التي وفدت إليها، بحيث انقطعت صلتها تقريباً بالمناطق التي جاءت منها، وكان سكانها يتألفون من طبقة حاكمة قليلة العدد من المقدونيين واليونانيين، وفئة كبار الكهنة، والعلماء المصريين الذين تعاونوا مع الحكام، وعدد عظيم من المواطنين المصريين، وجالية كبيرة من اليهو د، وذلك فضلا عن عدد من السوريين، والعرب، والهنود، وبذلك جسدت الإسكندرية بمفردها نظرية الإسكندر في وحدة العالم التي تجمع بين الاختلافات الفكرية والدينية في حضارة مدنية واحدة، بدلاً من النظرية اليونانية التقليدية عن المدينة الدولة، أي أن الإسكندرية لم تكن عاصمة فحسب، بل مدينة عالمية، وبذلك كانت الأولى من نوعها"
(ب‌) العصر الروماني:
لم تتوقف شخصية الإسكندرية عن النمو عند الأصول اليونانية، وإنما استمر هذا النمو من خلال إدخال عناصر جديدة ومكونات مختلفة في العصر الروماني، وهو العصر الذي تلا العصر اليوناني المعروف بالهلينستي" ينتهي العصر الهيلينستي بموت كليوباترا السابعة، ليبدأ العصر الروماني بسقوط الإسكندرية في يد الرومان في أول أغسطس عام 40 ق.م واحتلالهم مصر. وتظهر المسيحية في هذا العصر، وتشهد الإسكندرية أحداثاً جساماً في الصراع بين المسيحيين والوثنيين منها سبع سنوات (303-311م) سميت بعصر الشهداء، قتلت خلالها أعداد غفيرة من المسيحيين، منهم مشهورون أمثال مارمينا العجائبى وأبى قير (الأنبا كير) والقديسة كاترين وغيرهم. كما شهد العصر الروماني ظهور علماء عظام في الإسكندرية أمثال: جالينوس الطبيب وبطليموس الفلكي، وظهور فلاسفة بارزين أمثال فيلون وأكليمندس وأفلوطين وأثناسيوس وهيباتيا ابنه ثيون وغيرهم.
من هنا يطرح الباحث تساؤلاً: أنه من اللافت للنظر لا يقابلنا في المصادر اسم شاعر كبير ظهر في الإسكندرية خلال العصر الروماني الذي امتد إلى فتح مصر على يد عمرو بن العاص عام 642م. أين كان الشعر أثناء انتعاش العلم في مدرسة الإسكندرية؟"( ).
(ج) القرون الوسطى:
من اللافت للنظر قبل الإلمام بطبيعة الشعر في القرون الوسطى أن يشير الباحث إلى أن الإسكندرية عقب الفتح الإسلامي تخلو من وجود أسماء شعرية وأدبية لافتة "يظل السؤال حائرًا، ويزيد الأمر غموضًا حين نجد أربعة قرون بعد الفتح الإسلامي لا يظهر خلالها شاعر في الإسكندرية يمكن أن يشار إليه، فأين كان شعر هذه المدينة عبر فترة امتدت إلى أكثر من ألف عام؟"( ).
على أننا بمجرد وصولنا إلى أواخر القرن الخامس الهجري نكتشف ارتفاعًا جديدًا في المد الأدبي عامة والشعر السكندري خاصة "يعلو صوت الشعر في الإسكندرية بعد ذلك في أواخر القرن الخامس الهجري /الحادي عشر الميلادي، فيظهر عدد من الشعراء البارزين، يأتي في مقدمتهم أبو الطاهر إسماعيل بن محمد الملقب بابن مكنسة الإسكندراني (ت: 510ه -1116م) وهو من شعراء العصر الفاطمي، حاول ابتكار المعاني وصياغة القديم بألفاظه سهلة، كتب الشعر الفكاهي، وكتب في المديح والهجاء والغزل، لكن ديوانه أحرقه الأيوبيون من ضمن ما أحرقوه من أعمال الفاطميين.
ويبرز "اسم أبى الصلت" أمية ابن أبى الصلت الذي وفد من الأندلس عام 510هـ. ويبرز اسم ظافر الحداد (480هـ – 528هـ / 1133م)، كتب قصائد رائعة في الحنين إلى الإسكندرية بعد ارتحاله إلى القاهرة. ويتجلى الإبداع الشعري في قصائد أبى الفتح ابن قلاقس (532هـ/ 1127م-567هـ/ 1171م) وتنقل بين صقلية شمالاً واليمن جنوبًا، أما القاضي الرشيد بن الزبير الأسواني المولود في أوائل القرن السادس الهجري فكان محافظ الإسكندرية (رئيس دواوينها) وعاش فيها فترة، وكان من أقوى الشعراء، كما عاش بها أيضًا إمام المادحين شرف الدين البوصيرى (ت: 1295م) الذي اشتمل ديوانه على أكبر عدد من المطولات في المديح النبوي وكان تلميذاً لأبي العباس المرسى"(


الكوزموبوليتانية ثيمة ممتدة في تكوين الشخصية السكندرية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع