مدونة براهيم ابراحن الزكراوي السوسي


البيان والجماليات في القرآن الكريم : جمالية التصوير والتشخيص

براهيم ابراحن الزكراوي السوسي | Brahim ibarahene


24/07/2023 القراءات: 637   الملف المرفق



الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ، وقد دار هذا البحث حول جمالية التصوير والتشخيص في القرآن، إذ تم اختيار بعض الآيات وتناولها بالتحليل البياني، وقد جاء تصميم هذا البحث مشكلا من مقدمة يليها مفهوم التصوير والتشخيص، تم تحليل خمس آيات من القرآن وإبراز ما فيها من جمال وبيان، بعد التحليل تأتي الخاتمة فلائحة المصادر والمراجع أولا: مقدمة: حول التصوير والتشخيص ومفهوم كل منهما. ترد الصورة في كلام العرب على معنى حقيقة الشيء وهيئته، وعلى معنى صفته، والمصور من أسماء الله الحسنى، الذي صور جميع الموجودات ورتبها، فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها، على اختلافها وكثرتها ، ويعتبرها قدامة بن جعفر الوسيلة أو السبيل لتشكيل المادة وصوغها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الصناعات . وهي مصطلح عام وشائع اهتمت به مجموعة من العلوم ، واستخدمه النقد الأدبي، قديما وحديثا، يقول الجرجاني: واعلم أن قولنا الصورة إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا ، فلما رأينا البينونة بين آحاد الأجناس تكون من جهة الصورة، فكان تبين إنسان من إنسان وفرس من فرس بخصوصية تكون في صورة هذا لا تكون في صورة ذاك منه، كذلك الأمر في المصنوعات ، فكان بين خاتم من خاتم ، سوارا من سوار بذلك، ثم وجدنا بين المعنى في أحد البيتين وبينه في الآخر بينونة في عقولنا وفرقا، عبرنا عن ذلك الفرق وتلك البينونة بأن قلنا: المعنى في هذا صورة غير صورته في ذلك. وليس العبارة عن ذلك بالصورة شيئا نحن ابتدأناه فينكره منكر، بل هو مستعمل مشهور في كلام العلماء، ويكفيك قول الجاحظ: وإنما الشعر صناعة وضرب من التصوير ، الأمر الذي يعني أن سبيل الكلام سبيل التصوير والصياغة، وأن المعنى الذي يعبر عنه سبيل الشيء، الذي يقع التصوير والصوغ فيه، كالفضة والذهب يصاغ منهما خاتم أو سوار. فكما أن محالا إّذا أنت أردت النظر في صوغ الخاتم وفي جودة العمل ورداءته أن تنظر إلى الفضة الحاملة لتلك الصورة أو الذهب، الذي وقع فيه العمل وتلك الصنعة . كذلك محال إذا أردت أن تعرف مكان الفضل والمزية في الكلام أن تنظر في مجرد معناه . التشخيص لغة واصطلاحا: أما التشخيص لغة فهو يدل على الارتفاع والظهور ، وفي الاصطلاح فهو إسناد صفة من يعقل، أي الإنسان، إلى ما لا يعقل من المحسوسات والمعنويات، بحيث تبدو وكأن لها حواس الإنسان ومشاعره، ومخاطبة ما لا يعقل بخطاب من يعقل وتقديمه في صورة معينة . ولعل الفراء قد أشار إلى هذا النوع من التصوير في تعليقه على قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة ) (البقرة: 31)، فقال: عبر عن الأسماء بلفظ العقلاء .وبما أن للنص الأدبي تركيبته الخاصة فإنه يمنح التصوير مجالا للتكوين والنمو، لذا كانت بلاغة التصوير جمالية معجزة في القرآن الكريم، خاصة في القصة حيث يشكل مكونا رئيسيا فيها، تتحرك من خلاله الصورة وتقدم فضاءات جمالية ودلالية للتأمل والتدبر. فهو يمثل الأداة المفضلة والشائعة في القصة القرآنية، إذ يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية وعن الحادث المحسوس والمشهد المنظور، وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو المتحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية مجسمة مرئية .. أما الحوادث والمشاهد والقصص والمناظر فيردها شاخصة حاضرة فيها الحياة وفيها الحركة، فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التخييل . ولما كانت قضايا وموضوعات القرآن الكريم بمثابة تشخيص أنموذجي للقضايا والصور والتشبيهات التي يقدمها، وعرض حي لموضوعاته، فإنها لا تفصل ولا تفيض في الأحداث أو الشخصيات إلا بقدر ما تحدث في النفس من أثر، وما تهز به أعماقها لتطلعها على حقائق الحياة والوجود ، وما من شأنه أن يتناسب مع أهداف القرآن الكريم وغاياته . ثانيا: تحليل الآيات القرآنية: الآية الأولى: قوله تعالى: (واتل عليه نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) الأعراف: 175-176) التحليل : في هذه الآيات الكريمة نلاحظ بلاغة التمثيل حيث شبه الإنسان الضال الذي آتاه الله العلم والنور ولكنه لا يعمل به بالكلب، كما يشبه شقاءه واضطراب أمره وبحثه عن الدين بلهث الكلب في حالة تركه في دعة، وهو تشبيه المعقول بالمحسوس، فشقاؤه وإعراضه عن الدين الحق الذي آتاه الله إياه مشبه بلهث الكلب في حالة ضربه وطرده. وقد ساق القرآن أيضا وجه التشابه بين المعرضين الكفرة في الآيات السالفة وبين الحمر المستنفرة في قوله تعالى: (...كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة)،(المدثر، الآية، 51)، إذ تتلاقى الصورة التي في الآية السابقة مع هذه الآية في عدة أمور تبرز عظمة التمثيل القرآني، إذ في تمثيلهم بالحمر الفارة أصدق تصوير للحالة النفسية التي يكون عليها الكفار حالة صدهم وإعراضهم عن دين الله وما يكونون عليه من اضطراب ورعب وخوف شديد وكذا ما يكون من انقسام نفسي داخلي وذلك كالحمر التي التي رأت نفسها على شفا الهلاك فنفرت تطير في كل اتجاه ذاعرة تتدافع وتتقاذف فيما بينها لا تدري أين تفر، والحمر شديدة النفار بمجرد ريبها وشكها في خطر قادم، ولذلك شبه العرب الإبل في شدة سيرها بالحمر، وفي تمثيل الكفار بالحمر كناية عن سفاهتهم وبلادة عقولهم، ولو كان لهم عقل لاستعملوه فيما ينفعهم في دنياهم وأخراهم. تكملة الموضوع في الملف المرفق


الجماليات في القرآن الكريم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


موضوع قيم جزاكم الله خيرا