مدونة محمد كريم الساعدي


العرب ومسرح الشارع/ الجزء الثاني

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


17/03/2024 القراءات: 144  


وفي منتصف القرن الثامن عشر ، أمتزج هذان النوعان من الأحتفالات الدينية ، وظهرت التعزية كشكل مسرحي" (2). في رأي (فيرث) ؛أن هذين النوعين اللذين شكلا الصورة الدرامية للتعازي بشكلها الفني المسرحي يبين فيهما ملامح فنية ترتبط بمسرح الشارع ، وهي :
1. الأمكنة التي تقام فيها هذه التعزية هي أمكنة مفتوحة وغير مغلقة .
2. الاحتفال هو احتفال ارتجالي تشترك فيه أعداد كبيرة من المشاركين ، وأعداد أخرى من الجمهور ،
3. العفوية في المشاركة من القائمين على هذه المظاهر الاحتفالية ، وكذلك من الجمهور في تكوين الصورة الطقسية الدرامية للتعزية .
وفي هذا المجال يرى الباحث الدكتور (محمد سيف) أن التعزية تعبر " في جوهرها عن فكرة المسرح الجوال الذي يمكن إقامته في أي مكان لاحتوائه على اكسسوارات بسيطة يمكن نقلها والترحال بها في أي أتجاه في احتفال شكله ومضمونه قريب كل القرب من مسرح الشارع " (3) . واعتقد أن القرب بين التعازي ومسرح الشارع حسب الرأي السابق ، يقصد به مسرح الشارع بصيغته الحالية ، أو كما يقدم في أيامنا .
في الشرق الإسلامي والعربي تتميز التعازي في كونها تمتلك ملامح مسرح الشارع من حيث الأمكنة المفتوحة والارتجال المرافق للفعل الدرامي المرافق لهذه الظاهرة ، كما أن هذه الظاهرة الدرامية تمتلك من العناصر الأخرى القريبة من عناصر العرض المسرحي من إكسسوارات وأزياء تعبر عن الفترة التي وقعت بها واقعة كربلاء للمجسدين وغيرها من العناصر التي يمكن أن تستخدم بشكل مطابق في أي عرض لمسرح الشارع ، مع أعتبار أن هذه التعازي تقدم الى يومنا هذا بشكل واسع وبأعداد كبيرة من المشاركين ، وتقدم في أكثر من مكان في المدينة الواحدة ، مع استمرار المظاهر الأخرى التي أشار لها (فيرث) ، أي تصبح ظاهرة التعزي تضم ثلاثة أنواع قريبة من مسرح الشارع تدخل فيها المظاهر الدرامية في الأماكن المفتوحة ، وهي:-
1. ( التعازي ) أو ما يطلق عليها في المصطلح الشعبي (تشابيه) ، وهي تقوم على تمثيل قصة مقتل الحسين (ع) كاملة من صباح العاشر من محرم حتى لحظة مقتله وشهادته هو أهل بيته وأصحابه .
2. المواكب ومسيرات الندب والرثاء ، وهي التي تقام من الأول من شهر محرم لغاية العاشر من الشهر نفسه .
3. الراوي الذي يروي قصة الحسين (ع) واستشهاده ، وهذا الراوي ، أو ما يسمى بالمصطلح الشعبي (القارئ) الذي يستمر بسرد قصص مسير الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه لغاية استشهادهم جميعاً ، ويرويها لمدة عشرة أيام ، ولكل يوم قصة عن حدث في الواقعة ، بعض هذه المظاهر السردية تكون في الساحات العامة والأسواق ، وبعضها الآخر تتم في البيوت ، أو المراكز الدينية ، وما يهمنا المظاهر التي تقام في الأماكن المفتوحة .
أما في مصر والمغرب العربي فإن المظاهر الدرامية التي تمثل مسرح الشارع ، أو ما يقارب هذه الظاهرة الفنية فهي عديدة ومتنوعة . في مصر يتناول الدكتور علي الراعي في كتابه (المسرح في الوطن العربي) ما يرويه الرحالّة الذين زاروا مصر وقدموا شهادات عن المجال المسرحي فيها ، واقتبسنا بشكل غير مباشر أهم هذه المرويات عن بعض الرحالّة وما يخص موضوع المظاهر الدرامية التي تتطابق مع مسرح الشارع في مصر في الفقرة التي أطلق عليها (علي الراعي ) بالمسرح الشعبي البشري، إذ ينقل الراعي وصف الرحالّة (كارستين نيبور ) في زياراته لمصر في عام (1761 م ) عروض الشوارع المقدمة في مصر بأكثر من نوع ، وهي :
1. الغوازي أو ما يسمى بفن الغوازي هذا الفن المصاحب للموسيقى والغناء وكان يقدم أمام منازل الرحالّة الغربيين، أي في الشوارع المقابلة للبيوت .
2. عرض الشارع الذي يقدمه الحاوي أمام جمهور من المصريين في الساحات العامة وهم يعتمدون على تقديم أعمال تخدع أعين المتفرجين ، وهم يستهدفون منها كسب المال الذي يعطى لهم طواعية من قبل الجمهور .
3. عروض لبعض اللاعبين الذين يقدمون عروض يعتمدون بها على القردة وطريقة تقديم هذه العروض من خلال ارتداء القرد للملابس وهي عادة ما تكون ملابس غربية للسخرية من الغربيين في بلاد المسلمين .
4. ينقل (نيبور) صورة درامية أخرى عن ممثل فرد يقدم نفسه للناس في شوارع القاهرة سائل الناس العطاء ، بعد أن يسرد لهم قصة أسر النصارى في مالطة مع أستخدام سلسلة من الحديد يجسد بها صور من هذه القصة .
5. ينقل(نيبور) صورة خامسة عن مشاهدات عروض الشوارع عن مجموعة من الممثلين من مسلمين ومسيحيين ويهود وهم يقدمون بعض المسرحيات باللغة العربية تقدم في العراء – في فناء المنازل ويصبح آنذاك مسرحهم - وهي مشاهد كوميدية ومنها :عن قصة إمرأة تستدرج المسافرين لتسرق نقودهم وتطردهم ، وكان يؤدي هذا الدور النسائي رجل من الممثلين. (4)


مسرح ، الشارع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع