الجغرافيا السيميائية للمكان، وأثرها في عتبات النص الشعري ياسر جابر
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
14/01/2024 القراءات: 491
تحتل علاقة المكان بالإبداع في شتى صوره، وبخاصة في الشعر والرسم موقعًا عظيم الأهمية في الدراسات الجمالية بصفة عامة، ولا نجد مرجعًا في علم الجمال لا يقف عند تأثير المكان على الشاعر والرسام، بل إن كثيرًا من النقد الفني ربط نفسه بانعكاس مكونات المكان بوصفه منتجًا للفكرة أو مؤثرًا فيها، إذ إن جانبًا كبيرًا من الدرس وقف عند دور المكان في تشكيل الخيال الذي يصف ويصور ويبدع الرموز والمشاهد، ويحمل عليها مشاعره وذكرياته وأفكاره وتصوراته عن واقعه في الحاضر ورغباته في المستقبل حتى صار المكان واقعًا نفسيًا أكثر من كونه واقعًا ماديًا، فصار هناك وجودان للمكان، وجود في ذاته، ووجود في روح الشاعر" وتتكشف معضلة المكان في شكلها المعقد، حينما يلامس التفسير والتأويل تخوما، يكون فيها المعنى أكثر ارتباطا بالمكان وإيحاءاته. وكأن المعنى لا يكتسب أبعاده القصوى إلاّ إذا استرفد المكان، واستخلص منه محمولاته الدلالية. فإذا اقتصر التأويل على المعطيات الفكرية، والاجتماعية، والنفسية.. مثلا فإن صنيعه ذاك يظل ناقصا، مهما كانت درجة العمق والإجادة في خطابه. بل إننا نزعم الساعة أن التأويل الذي يكتفي بذلك النزر القليل من الفحص، تأويل ناقص. لا يمكن أن يصل إلى عمق النص أبدا، مادامت المعطيات نفسها لا تتأسس قاعدة علمية، إلاّ إذا أخذت حظها من الارتباط التشعّبي الذي يشدها إلى المكان"( ).
وكان لموقع الإسكندرية، ومكانها المتميز أثره على خيال الشعراء الذين عاشوا في الإسكندرية عبر العصور، فهذه المدينة" تطل على بحر حالم، فأمواجه الهوميرية تتدافع وترتد، يحركها النسيم العليل من رودس وبحر إيجة. إن التنزه على شاطئ الإسكندرية يشعرك على الفور وكأنك تسير على حافة الهاوية، ما السبب في ذلك؟ إنه ليس فقط تلك المدينة الإغريقية الحزينة المائلة أمامك، وإنما تلك الخلفية من الصحاري الممتدة إلى قلب إفريقيا أيضًا، إنها مكان الفراق الدرامي، والقرارات النهائية والأفكار الأخيرة، كل منا يشعر بنفسه، مندفعًا إلى أبعد حد، إلى نهاية قدرته على الاحتمال، فيتحول الناس إما إلى رهبان وراهبات أو شهوانيين أو نساك وذلك دون أي إنذار، وكما يختفي الكثيرون ببساطة، ويموتون هنا صراحة. إن المدينة لا تفعل شيئًا! إنك فقط لا تسمع شيئًا سوى ضوضاء البحر وأصداء التاريخ العجيب"( ).
ولم يقتصر المكان على انعكاسه المادي الظاهري وإنما كان للمكان مستجدات أسطورية تتصل مباشرة بالبحر وعالمه وقصص المغامرين من البحارة والصيادين الذين جلبوها من أعماق البحر، فقد شكل مدى واسعًا عبر المواسم الزمنية وتعاقب الفصول واختلافها من حال إلى حال أخذ الشعراء إلى قراءات روحية حول الحياة والموت والغربة والسفر، نجد لها ملامح قوية في الشعر المعاصر بصفة خاصة
المكان ...السيمياء . العلاقة .