مدونة ياسر جابر الجمال


النص المترجم والنص الموازي في منجز محمد عناني المترجم

ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal


20/07/2023 القراءات: 426  


كان عناني مولعًا باللغة العربية ، فيقول:" إن أن لغتنا العربية نعمة من عند الله، ويا ويله لمن لا يعرف العربية! وهناك كتابان أقع دائما فى أسرهما : القرآن والمتنبي. وأذكر أننى قرأت على سمير سرحان ذات مرة قوله تعالى : ﴿ ۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[ النور: 35] فما كان من سمير سرحان إلا أن بكي، وأردف: "إيه الكلام الحلو ده! ( )
إن الموقف الذي نريد أن نسجله هنا هو أن الترجمة ليست مجرد نقل من لغة إلى لغة فحسب أو تحويل المكتوب بالإنجليزية إلى العربية أو العكس، فالموضوع أعمق من ذلك وأعقد بكثير، فإننا ننقل عن أمم وحضارات أخرى، وهذا يستلزم سياقات معرفية وحضارية متعددة ومغايرة، وأنساق معرفية في اللغة المنقول عنهاـ بالاضافة إلى طبيعة اللغة وفزيائيتها وغير ذلك من القضايا، إننا في الحقيقة أمام نص معقد يحمل عددًا لا نهائيًا من النظريات عنيت بالمعنى و لها رؤية في نقل النص من لغة إلى لغة، بداية باللسانيين، وأصحاب نظرية السياق، والتلقي، والمقامية، ونظرية الحقول الدلالية، والنظرية التفسيرية، والعلاماتية وكل هؤلاء لديهم رؤية في النص من حيث المعنى، وإن كان على الكل استدراكات وملاحظات ؛لكن يبقى نظرة هؤلاء للنص وفق الرؤية التي يؤمنون بها، فلا يمكن أن ينقل النص حرفيًا، فإن هذا يميته أو يحرم النص من قضايا متعددة، ولا الترجمة بالصورة المجازية تمنح النص دلالته كما في اللغة الأصلية ، لذلك فإن " النص هو نسق من المفردات ضمن قوانين معينة وضوابط متعارفة، ويؤدي معنى معينا. وإذا كان النص هو مادة عمل الترجمة، فإن الربط بين هذا النسق من الكلمات وبين عملية النقل الممثلة في عملية الترجمة كفيل بأن يطرح من الإشكالات ما يجعلنا نبحث دوماً على ما يوافق المعنى ويخدم روح النص المترجم، لأن المترجم ملزم بالتقيد بضوابط النص لنقل مضمونه إلى القارئ، وهذا لا يمنع من تعدد الترجمات للنص الواحد بتعدد المترجمين. ذلك لأن النص المترجم ليس هو المصدر الوحيد في تحقيق عملية الترجمة، بل هناك عوامل أخرى تتدخل بصورة مباشرة في تحديد ماهية النص المترجم، منها الخلفية الفلسفية والثقافية للمترجم، والهدف الذي ترمي إليه الترجمة، والمستوى الاجتماعي الحضاري السوسيو حضاري للمتلقي( ).
فإذا كانت هذه عتبات لابد منها لدى المترجم للنصوص بمختلف أنواعهاـ فإننا يمكننا القول بوجود نصوص موازية للنص الأصلي تحاول تقريبه بصورة أو بأخرى دون أن تفقده مضمونه.
وقد اتخذ محمد عناني المنهج التفسيري في الترجمة الذي يربط بين الدلالة والمعطيات الاجتماعية والثقافية للمتعلم، وأن التفسيرات التركيبية تحدث في مجال البنية العميقة، دون غيرها، ولهذا فإن كافة المعلومات الدلالية التي يعطيها المكون الدلالي توجد في مستوى البنية العميقة ، وأما التحولات التي يحتمل القيام بها على البنية لن تغير شيئًا من المحتوى الدلالي للتركيب.( )
ورغم ذلك فإن مشروع عناني في الترجمة لم يُفعَل في الواقع بالصورة الكاملة، كما لاتزال فوضى الترجمة قائمة، بسبب الخلط بين النص الأدبي وغيره من النصوص العلمية، وهذا" أدى إلى مساواة النص الأدبي بالنص العلمى وبالنص التعبيرى وبالنص الإنشائي، فهم – النقاد- لا يهتمون باللغة إلا من حيث إنها لغة فقط، وهذا أدى بالمترجمين إلى اتباع أسلوب واحد في ترجمتهم لجميع النصوص. أحيانا بعضهم انتبه إلى إدراك الفرق بين الشعر والنثر، لكن كل هذه المحاولات كانت مستبعدة من جانب علماء اللغة المحدثين. علماء اللغة المحدثون أرادوا أن يطبقوا القواعد على أى نص دون مراعاة خصائص كل نوع"( )
ويفرق عناني بين الترجمة التواصلية التي الهدف منها نقل النص فحسب، وبين الترجمة الدلالية التي تحتاج إلى إدراك الأسلوب الأصلي للترجمة .
إن عناني يفرق بصورة حاسمة وقاطعة ويقف موقفًا حاسما من الخلط البين بين ترجمة الشعر والنثر، فهو يرى أن الشعر له أساليب خاصة وأنماطًا مختلفة في الترجمة بخلاف النثر، والمسرح، وغيره من الفنون، وهذا مالم يدركه المتأخرون، فوقع الخلط بين هذا وذاك .
كما نبه عناني على نقطة دقيقية نقلها عن أستاذه شكري عياد، وهي التحدي الحقيقي للمترجم، إذ كيف ينقل المترجم أسلوب الكاتب كما ينقل المعنى وإلا سوف تتحول الترجمة إلى تواصلية فقط.
إن مشروع عناني قائم على ركائز أساسية ودعائم أودعها في كتابه الأخير " ترجمة الأسلوب"
موضحًا منهجه في الترجمة ، وموقفه من قضايا ترجمة الشعر، والتحدي الذي يواجه أمام الذين يترجمون الشعر نثرًا ولا يكترثون بالقضايا المتعلقة بالترجمة، ومنها الأسلوب. فهو يتفق "واللسانيون على أن المعجم اللغوي لا يمكن أن يكون مجرد قائمة أو ركام من المفردات ينهل منها المتكلمون عند الحاجة، ويعترفون بأن الدلالة اللغوية تمثل عصارة فكر وحضارة أية أمة من الأمم ، فلذلك يصعب حصرها أو إحصاؤها،ولكي يتسنى لنا تحديد دلالة صيغة لغوية معينة تحديداً علمياً دقيقاً لابد لنا من معرفة علمية حقيقية بكل ما يشكل عالم المتكلم، بيد أن المعرفة البشرية محدودة اليوم إذا ما قورنت بسعة هذا العالم".( )
إن مشروع عناني بحاجة إلى التناول والتنقيب والحفر في جذوره وأهدافه التي نحتاج إليها وفق رؤية عصرية تساهم في إعادة الاعتبار للمعرفة المنقولة في كافة الميادين .


الأدب، النقد، الإبداع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع