مدونة ياسر جابر الجمال


السيد حافظ يسرد مأساة الثقافة والمثقفين..  

ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal


25/02/2024 القراءات: 121  


إن الكاتب الكبير " السيد حافظ " عندما يسرد مأساة الثقافة والمثقفين فإنه يضعنا أمام ثلاثة قضايا أساسية حسبما يرى الفرنسي المعاصر (جينيت)، "أولها هو الملفوظ السردي الذي يتضمن العلاقة بحدث أو مجموعة من الأحداث. أما الثاني فيعني بتتابع هذه الأحداث وهو ما يطلق عليه المضمون السردي، بينما الثالث يعني بالحدث منتسبا إلى روايته أو فعل القص أو السرد "( )، وحول تلك الثلاثية يقدم لنا " السيد حافظ " سرديات متعددة حول الثقافة والمثقفين على امتداد الرقعة العربية، فمن ذلك قوله " كانت لدي أحلام واهية، قبل سفري إلى الكويت جاءني " عبدالعال الحمامصي " في قصر ثقافة الحرية مع "محمد غنيم"، قال لي: اذهب إلى اتحاد الكتاب وادفع 8 جنيهات واملأ استمارة تقديم للالتحاق باتحاد الكتاب.. رفضت قائلا: أنا أريد اتحاد كُتّاب مستقل، لا أريد أن تكون للحكومة يد علينا أريد أن يكون لنا رأيا مستقلا نتحاور به مع الحكومة بحرية. فقال لي: يا " سيد " لا عيش لك دون الحكومة، إن لم تُرضِ الحكومة لن تسافر ولن تجني أموالا ولن تعمل. قلت له: الكاتب قيمة كبرى، الكاتب ضمير الوطن والأمة ويجب أن تستمع الحكومة إليه. كان كلاما خياليا مني ليس له صلة بالواقع إلا إني لم أُدرك ذلك حينها!! "( ).
هكذا يقدم لنا الكاتب الحقيقة المُرّة التي اصطدم بها بعد ما تقدم به العمر، الحقيقة أن الكُتّاب الذين هم ضمير الأمة ووعيها المتدفق يأتون في مؤخرة القافلة، لا يوضع لهم وزن، وهذه حقيقة مُرّة نرصدها في مذكرات " السيد الحافظ "، والأسوء من ذلك أن يكون بين أبناء المهنة الواحدة – الثقافة - عداءات وخصومات، فمن ذلك " أزمة "يحيى الطاهر عبدالله" ومأساوية الثقافة، وكذلك قضية " محمد سلماوي" وتزييف الانتخابات اتحاد الكتاب، ، و"محفوظ عبد الرحمن " الذي يقول عنه السيد حافظ " رغم إنني كنت أقف بجانبه في انتخابات الاتحاد وأوزع الدعايا بنفسي إلا إنه لم يقف بجوار السيد حافظ ".
ولا يتوقف السيد حافظ عن توثيق تلك المآسي، ويحلق بالقارىء في مساحات متعددة عبر أزمنة مختلفة، فمن ذلك مأساة. " شوقي عبدالحكيم" و"نجيب سرور " .
وقد أسس لهذه القضية في رواية ( كل من عليها خان) عندما استعرض قصة الكاتب الكبير "عادل كامل" مع اتحاد الكتاب ، فقال: " لماذا أتقدم لجوائز ومسابقات أدبية؟.. تقدمت إلى عدة جوائز عربية ودولية.. وسألت نفسي: لماذا؟ وجدت الإجابة عند الكاتب الكبير "عادل كامل".. رفيق وصديق الكاتب العالمي " نجيب محفوظ " في رحلته الأدبية. تحدث هذا العبقري الجليل عن تجربته هو و"نجيب محفوظ" في أول مسابقة أدبية في تاريخ مصر. يقول "عادل كامل":
" عندما تقدمت في مسابقة فاروق الأول للقصة والرواية التي تنظمها لجنة الأدب بمجمع فؤاد الأول للغة العربية - يقصد مسابقة مجمع اللغة العربية - وكانت تحت اسم (جوائز فؤاد الأول وفاروق الأول العلمية والأدبية مثل جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية الآن).. ولأمر ما رأتْ اللجنة أن تبيع سمسما مقشور ا بغير قشور.. فرفضت أن تعطي قصتي (المليم) - يقصد روايته المسماة بالمليم - رفضت اللجنة أن تعطي المليم - بضع الجنيهات المقررة - أو حتى تعطيه جائزة بدون جنيهات.. جاءني المليم المسكين باكيا شاكيا.. يشد شعره بيده ويضرب صدره بأخرى.. قلت له: "رشادك يا فتى"، فالمال الذي كنت سأتلقاه من الجائزة ما كان يكفي لمعالجة إحدى عينيك إذا مرضت.. نعم أنت في حاجة إلى رباط عنق أو زوج أحذية.. لا تحزن يا فتى عهدي بك فتى يعرف قدر نفسه.. ولن تعطى الجائزة الخالدة لك إلا يوم القيامة.. وقال لي زميلي "نجيب محفوظ" إن الهدف استحال سرابا، فلقد تقدم نجيب محفوظ في المسابقة نفسها برواية (السراب) ولم يحصل على الجائزة، وكتبت اللجنة أن قصة السراب (يقصد رواية السراب) تصف مألوف الحياة، ولا تستحق الجائزة (.. قال نجيب محفوظ: "إنه سراب قد أذيع أمره في الصحف" هذا ما كتب وصدر في كتاب عام 1941م"( ).
هكذا هو الحال، وهذه هي القماشة التي تُنْثَر عليها الأعمال الثقافية، فنحن أمة تتوارث المأسي والإقصاء بعلل متنوعة ومختلفة حتى لا يكون في نفس المستبعدين شيء من الشك في أحكام تلك اللجان المتخصصة والمزاعم المدعاة، وليس المقصود اعتبار أن الكل سواء في السوء، ولكن هذا هو الأغلب الأعم.
المأساة التي تعرض لها بيرم التونسي من أجل بضع الجنيهات حتى يقيم حياته ولا يُهان في أواخر العمر؛ قصة تُسطّر بمداد من الألم والقهر، ولا يتوقف ذلك عنده فحسب، فقد طال ذلك الأمر العديد من المثقفين والرموز الأدبية والمبدعين، كنجيب سرور، و...إلخ .
لسنا بصدد ذكر أسماء الذين تعرضوا للتهميش والأقصاء المتعمد في الحالة الثقافية، فيكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، ولكن نحن نؤكد أن هذه الفكرة مركزية في الثقافة العربية وبأساليب مختلفة، والكاتب "السيد حافظ" قدم لنا مواقف حياة في مواقع مختلفة وأزمنة متفرقة حول تلك القضية، ومن ذلك قوله " هناك كاتب سوري كبير اسمه " عبد الفتّاح رَوّاس محمّد قَلعَه جي "، كتب أكثر من 50 مسرحية وكُتِب عنه العديد من الرسائل العلمية، هذا الكاتب يمر بأزمة شديدة، أناشد جميع المسؤولين والممثلين السوريين بمصر وغيرها.. أنا شد صاحب السمو الشيخ " سلطان القاسمي" اهتموا بـ " عبد الفتاح رواس القلعجي" فهو يحتاج للعناية، اعطوه ما يستحقه من تقدير، عيب في أن يسجل في التاريخ أنه في عصر فلان حدث هذا. يكفي ما حدث مع " عماد حمدي " و " شكري سرحان " لم يجدا حق الكفن!!"( )
عبدالفتاح القلعة جي كاتب كبير، لكن لم يلق معاملة تليق به، تدهورت به الامور في نهايات العمر، ولم يكترث له أحد ، لماذا؟ وأسئلة أخرى لها إجابات قطعا لكن لا أحد يكترث ، لآن المثقف العربي الحقيقي " يعيش مأساة كبيرة تلازمه آناء الليل وأطراف النهار، فمن ناحية يستشعر هذا المثقف عظم الدور المنوط به، فهو طليعة هذه الأمة، أملها في التغيير، منبع الأفكار الجديدة والطروحات التقدمية، كما أن هذا المثقف يستشعر ذاته أيضا، يستشعر قيمته التي تتجاوز في أهميتها الكثيرين في المجتمع، بمن فيهم هؤلاء الممسكون بحبال [السيادة] والقابضون عليها،


السيد حافظ يسرد مأساة الثقافة والمثقفين..  


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع