تصورات الوجود في الفلسفة ما قبل السقراطية/ الجزء الأول
أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi
01/03/2023 القراءات: 500
إنَّ أول الفلاسفة الإغريق الفيلسوف ( طاليس ) الذي ينسب الى المدرسة الطبيعية القديمة الذي وضع لبناتها مع فلاسفة ثلاثة يرجعون الى مدرسة ( ملطيا ) ، إذ يرى (طاليس) بإن كل شيء يرجع الى ماء ،أو أن كل شيء يأتي من الماء والذي عد الماء هو سبب وجود الموجودات وهو العنصر الأصلي الذي تتألف منه عناصر الأشياء في الأرض ، وأن الأرض أصلاً هي مرتكزة على الماء ، ويرى الفيلسوف الإنكليزي (برتراند رسل) بأن ( طاليس ) في تفكيره هذا هو رجل علم أكثر منه فيلسوفاً على اعتبارات أن بحثه كان منطقياً من فرضية علمية بحتة(1) ، على الرغم من أن هذه النظرة العلمية كانت مؤطرة بشكل فلسفي مكّن من خلالها نظرته الى ما هو أبعد من الماء في بعده الوجودي، بل ذهب في رؤيته هذه الى أن الارض هي وجود أبعد من أن تحضر في العين المجردة وهي بحاجة الى تقنيات حديثة حتى يتم التأكد من أن هذا الفرض الذي يجعل من الأرض مرتكزة على الماء ، لذا فإن النظرتين العلمية والفلسفية شكلت رؤية (طاليس ) الأولى الى شيئين في آن واحد هما الوجود والموجود .
إنَّ ( طاليس ) عندما يُرجع كل العناصر الى الماء والأرض مرتكزة عليه يرى بأن الماء مادة حية ولها روح وأن حركة الأشياء منطلقة من الحياة التي يوفرها هذا العنصر كما أن حركة الموجودات تأتي بالدرجة الأولى من هذه الحياة التي أوجدها عنصر الماء وهذه النظرة الى حركة الاشياء والى أصل الحياة في الماء التي تستمد منه هذه الموجودات في تشّكل وجودها وما يتكون من ماهيات نتيجة لهذه التشكيل يتطابق معه في النظرة الفيلسوف (لتاوي ) الصيني ( ليه تز ) في القرن الخامس قبل الميلاد في أن الماء هو المادة الأولية التي ترجع اليها الموجودات(2) .
إنَّ طبيعة الموجودات التي يرجع أصلها الى الماء بحسب نظرة ( طاليس ) في المدرسة المالطية تأتي من مبدأ الذهاب والنظرة الى ما هو موجود وليس الى نظرة تأملية بعيدة عن الموجودات وتشكيلاتها في داخل هذه الطبيعة ، لذا فأن النظرة هذه حتى وأن كانت أولية ولا ترتقي بنظر البعض ممن يبتعدون بنظرتهم الى الأشياء ويركزون فقط على الأفكار المسبقة تبقى نظرة بحاجة الى تأمل أكثر قبل أن ينطلق بالحكم على نوع الأسلوب والطريقة المتبعة في الوصول الى الحقيقة ،لذا فإن المدرسة الطبيعية المالطية تعد هي من أول المدارس الفلسفية التي طبقت شرطية البحث في ما هو موجود والتفكير به حتى وأن كان الرأي الفلسفي متعارض بين أفرادها في من هو أصل الأشياء سواء أكان الماء حسب رأي ( طاليس ) ،أو رأي (انكسمندرس ) الذي يرى بأن الموجودات وطبيعتها ترجع الى عنصر آخر لا نهائي ولا يحده الزمان ،ويقول في هذا المجال حسب ما ينقله لنا ( رسل ) بأن " الاشياء تعود فترتد الى العنصر الذي نشأت منه كما جري بذلك القضاء لأنها تعوض بعضها بعضاً لما وقع منها من إجحاف كما يقضي بذلك أمر الزمان "(3) وهذه النظرة في الطبيعة هي من الهمت ( انكسمندرس ) في أن الأشياء توجد من عنصر لا متناهي موجود في داخلها وكأنه المصنع الذي لا ينضب من عملية خلق وإيجاد مستمر ،هذا يجري بحكم القضاء الذي أوجدها لأول مرة . أما الرأي الثالث في هذه المدرسة عند ( أناكسمانس) الذي يرى بأن الهواء هو أصل الأشياء ويرجعه الى عملية التخلخل والتكاثف المصاحب للهواء في تكوين الأشياء والموجودات في هذا المجال(4).
الوجود ، الفلسفة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة