التفكير ليس اختيار الله لتفضيل البشر على سائر الخلق
عبد الحميد بغوره | ABDELHAMID BEGHOURA
11/12/2022 القراءات: 1486
"لا تكونوا إمعةً تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلَموا ظلمْنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تُحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا".
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وقومه على أحسن هيئة وأخرجه على أفضل صورة فهو القائل" يأيها الإنسان ماغرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ماشاء ركبك"، ولعل هذا الخلق في التركيب والدقة اللامتناهية فيه تقع فيها الشركة بين سائر خلقه؛ فالكون منظوم ومحبوك على أتم ما يقال عن الشيء أنه مكتمل قال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، وخلق النبات والحيوان مساو لخلق الإنسان من حيث الدقة والكمال فقد قال عز وجل" وخلق كل شيء فقدره تقديرا" أي حسب له حسابه من بدأ تكوينه إلى منتهى حياته، فلفظ كل عام شامل للإنسان وغير الإنسان، فإذا كانت كل هذه الموجودات ومعها الإنسان تشترك مع بعضها في حسن التقويم ودقة التصنيع، فما الذي يميز آدم عن الباقي؛ قد تكون الإجابة المتبادرة إلى الذهن هي التفكير، لكنه جواب ناقص.
إن التفكير فعل مميز لنوعين من الموجودات مميز للنوع البشري وكذالك لكل حي من غير النبات- واخرج النبات وفصل من الحيز لأن العلم في شأنه قليل، فهل يشعر ويفكر كما هو الشأن عند البشر والحيوان، هذا مقام يطول تفصيله- فمعظمنا يلحظ مثلا عند القردة والنمل والنحل والفيلة ...على سبيل المثال لا حصر العيش بنظام يشبه النظام الإنساني وبهذا الصدد يقول تعالى"وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم"؛ فالمجموعات لها قائد وتصيد مستعملة عنصر التخطيط كما عند الأسود والضباع، ولها وسيلة تخاطب وتواصل فيما بينها تفهمها وإلى هذا تشير الآية " قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم"؛إما أصوات كما هو الحال عند القردة وغيرها وإما إشارات كما هو الحال عند النمل والنحل، ولا يمكن إنكار أن كل هذه العلميات والنظام في العيش لا يلزمه تفكير وقد يقول قائل معترضا إن التفكير البشري مختلف فهو متقدم بمستويات كبيرة عن التفكير عند الحيوان ولا خير دليل على ذلك التطور الذي خلفه في كل المجالات، فيجاب عن ذلك بعدة إجابات:
- لا يمكن الجزم من أن مستوى التفكير لدى الحيوان أقل منه عند البشر لأنه حكم مبني على إحساس وعادة أقنعنا بها أنفسنا وتوارثناها من بيئتنا التعليمية، فكيف يمكن أن تحكم على شيء بأنك أفضل منه وأنت لا تعرفه .
-إن القول بتطور التفكير عند الإنسان بدليل التقدم التكنولوجي؛ معترض عليه كون الكل يصارع من أجل البقاء ويطور نفسه بحسب الظروف المناخية، بل إن الإنسان يتطور لنقصه في كثير من الجوانب فعند الحيوانات أجهزة استشعار وتنبإ وأجهزة أخرى متطورة يقيس بها الطقس ويعرف بها سرعة الرياح وأجهزة يزن بها ويقطع بها كما هو الحال عند الطيور ومجتمع النمل وعالم الحشرات عموما، بل إن الإنسان يقلد ويستلهم منها ويصنع ما يخدمه،وقل إن الحيوان يتنبؤ بالزلازل والبراكين والإنسان عاجز حتى الآن عن فعلها.
إذن لايمكن الجزم أن التفكير بعد أن خرج منه الجماد اختص به الإنسان دون الحيوان فهم فيه شركاء بدليل القرآن، مادام الأمر كذلك فما التفضيل الذي جاءت به الآية" ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"؟، الآية ظاهرة الدلالة على وجود صفة التفضيل للانسان دون غيره، فهل يكون التفضيل بسبب الإيمان وتوحيد الله أم بسبب آخر؟.
الإنسان خلقه الله على الفطرة موحد لذات الله لكن كل المخلوقات في هذه الفطرة سواء بل إن ما خلقه الله من غير الإنسان ثابت في توحيده لا يتغير عكس الإنسان الذي خدش فطرته وأنكر خالقه بدليل بعث الأنبياء والرسل، فقد قال الله " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم"، فالمولى يخاطب الإنسان بأنه مسبح له من قبل خلقه، ولا يسبح له إلا مؤمن بوجوده، وإذا تبين ذلك سقط احتمال أن يكون الإيمان سبب التفضيل، فياترى ما سبب تفضيل الله لخلق البشر؟ لم يبق إلا احتمال واحد فماهو؟.
إن الطبيعة المكونة للبشر في شقة الخلقي تماثل بقية الخلق لكن هل هي نفسها من حيث الشق الفعلي، فكل أفعال غير الإنسان تنتهي بثمرة ما وتؤدي غرضا ما لكن لا تتعدى إلى فعل الاختيار من حيث طاعة الله أو عصيانه، فهي لاتملك هذه الإرادة الفذة فإرادتها موجهة إلى الخالق بدليل الآيات التي تدل على التسبيح والسجود الخلق له -لكن في سائر الأفعال حرة بدليل محاسبتها يوم القيامة في شأن بعضها البعض ثم تكون ترابا، فلو كفرت لعذبت - بخلاف الإنسان الذي يملك هذه الإرادة "فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر"، فقد أودع الله في الإنسان خاصية الاختيار في فعل الإيمان أو الكفر وما يتبعهما من أوامر تتعلق بهما، فهو حر بمضادة الأوامر وقصد العصيان أو الإمتثال وإتيان الحسنى، لكن بالمقابل هناك جزاء عظيم، فتحمل مسؤولية ما تجره هذه الإرادة يقع على عاتق الفاعل وحده، ولعل هذه المسؤلية هي ما أشارت إليه الآية" إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا"، فقد عبر عن الإرادة الحرة بالأمانة التي امتنع كل ماذكر في الآية من تحمل تبعاتها لعظم ثقلها فاختار الإنسان أن يتلقفها.
بعد هذا العرض يمكن التوصل إلى أن الإنسان فضل عن الجماد والحيوان بغض النظر عن التسخير؛ لأن الجماد والحيوان كله مسخر للأنسان "وسخر لكم ما في السماوات والأرض جميعا منه"، بسبب الإرادة وحرية الإختيار لكن يبقى مخلوق يملك هذه الإرادة ألا وهو الجن ودليل ذلك الآية "...إلا إبليس أبى واستكبر وكان الكافرين " فأيهم أفضل البشر أم مخلوقات الجن؟.
استعمر الجن الأرض قبل خلق الإنسان لكنهم عاثوا فيها فسادا وسفكا للدماء فاستبدل الله قوما غيرهم فاستخلفوا الأرض فكان آدم هو إختيار الله، ولعل نفضيل البشر على الجن من هذا الجانب، فالعقل قائل أن الذي يأتي ليستخلف يكون أفضل من الذي كان قبلا، وخاصة أن الاختيار أتى من ذات حكيمة عليمة، وبهذا ثبتت أفضلية البشر عن الجن .
التفكير، الإرادة، الإيمان، التقويم، الأنسان، الحيوان، الاختيار، الأمانة، الزلازل، البراكين.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع