في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الحمى (الجزء الثاني)
د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer
04/01/2024 القراءات: 475
وقال الرازي في كتابه الكبير: إذا كانت القوة قوية، والحمى حادة جدا، والنضج بين ولا ورم في الجوف، ولا فتق، ينفع الماء البارد شربا، وإن كان العليل خصب البدن والزمان حار، وكان معتادا لاستعمال الماء البارد من خارج، فليؤذن فيه.
وقوله: «الحمى من فيح جهنم» ، هو شدة لهبها، وانتشارها، ونظيره:
«قوله: شدة الحر من فيح جهنم» . وفيه وجهان: أحدهما: أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتقت من جهنم ليستدل بها العباد عليها، ويعتبروا بها، ثم إن الله سبحانه قدر ظهورها بأسباب تقتضيها،؛ كما أن الروح والفرح والسرور واللذة من نعيم الجنة أظهرها الله في هذه الدار عبرة ودلالة، وقدر ظهورها بأسباب توجبها.
والثاني: أن يكون المراد التشبيه، فشبه شدة الحمى ولهبها بفيح جهنم، وشبه شدة الحر به أيضا تنبيها للنفوس على شدة عذاب النار، وأن هذه الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها، وهو ما يصيب من قرب منها من حرها.
وقوله: «فأبردوها» ، روي بوجهين: بقطع الهمزة وفتحها، رباعي: من أبرد الشيء: إذا صيره باردا، مثل أسخنه: إذا صيره سخنا.
والثاني: بهمزة الوصل مضمومة من برد الشيء يبرده، وهو أفصح لغة واستعمالا، والرباعي لغة رديئة عندهم قال:
إذا وجدت لهيب الحب في كبدي ... أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لنار على الأحشاء تتقد
وقوله: «بالماء» فيه قولان: أحدهما: أنه كل ماء وهو الصحيح.
والثاني: أنه ماء زمزم، واحتج أصحاب هذا القول بما رواه البخاري في «صحيحه» ، عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي، قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة، فأخذتني الحمى، فقال: أبردها عنك بماء زمزم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: «إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء، أو قال: بماء زمزم» «1» . وراوي هذا قد شك فيه، ولو جزم به لكان أمرا لأهل مكة بماء زمزم، إذ هو متيسر عندهم، ولغيرهم بما عندهم من الماء.
ثم اختلف من قال: إنه على عمومه، هل المراد به الصدقة بالماء، أو استعماله؟ على قولين. والصحيح أنه استعمال، وأظن أن الذي حمل من قال:
المراد الصدقة به أنه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمى، ولم يفهم وجهه مع أن لقوله وجها حسنا، وهو أن الجزاء من جنس العمل، فكما أخمد لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد، أخمد الله لهيب الحمى عنه جزاء وفاقا، ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته، وأما المراد به فاستعماله.
وقد ذكر أبو نعيم وغيره من حديث أنس يرفعه: «إذا حم أحدكم، فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر «2» .
وفي «سنن ابن ماجه» عن أبي هريرة يرفعه: «الحمى كير من كير جهنم، فنحوها عنكم بالماء البارد» «3» .
وفي «المسند» وغيره، من حديث الحسن، عن سمرة يرفعه: «الحمى قطعة من النار، فأبردوها عنكم بالماء البارد» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حم دعا بقربة من ماء، فأفرغها على رأسه فاغتسل.
طب- حمى
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع