مدونة د. أسماء صالح العامر


القيمة العلمية لكتاب: مقاصد الشريعة لابن عاشور رحمه الله:

د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer


28/11/2023 القراءات: 497  


🔴 القيمة العلمية لكتاب: مقاصد الشريعة لابن عاشور رحمه الله:

يُصنفه بعض أهل الشأن ضمن قائمة الكتب المعتمدة لضبط المقاصد الشرعية، ومؤلفه يراه عدد من المهتمين بهذا المجال، العالِـم الثالث في تأسيس هذا العلم بكتاب مستقل، وذلك بعد العز ابن عبد السلام، والشاطبي رحم الله الجميع.

وكتابه يمتاز بعدة أمور منها:
▪️القوة البرهانية وأسلوب الخطاب الحجاجي، وضرورة اعتبار المقاصد في ترتيب الأدلة وتمحيصها ودلالاتها، وهذا من أدق المسالك المنهجية في بناء الدليل وفهمه، حين يُربط بالحجج الأخرى ومِنهاج الشريعة، بل بعضهم وصف عمل مجدِّد المقاصد بأنه ابتكار لعلم: أصول الأصول، وربما يقال: أسَّس لَبِنة مهمة فيما يُسمى اليوم بـ«فلسفة أصول الفقه» و«فلسفة الفقه».
▪️العمق في التفكير والتأمل وملاحظة الواقع في التقرير، والاتجاه نحو التعليل المطلق للأحكام إلا ما ندر، مع التنبيه لدقة التعليل وأنه شأن خاصة الخاصة من العلماء.
▪️العقلية الاستقلالية الناقدة والفصل بين احترام شخص العالِـم ونقد أفكاره، والاجتهاد في مساءلة المضامين وتحرير المصطلحات وضبط المفاهيم، وذلك مثل: الحرية والمساواة، والوازع الديني ومراتبه، ونفوذ الشريعة، ورفع الحرج عن المشاق الاجتماعية وليس الفردية فحسب.. وغير ذلك.
▪️التوظيف لعدد من القضايا وقواعد النّظر الاجتهادي التي غاب حضورها في مجمل المدارس الشرعية؛ بسبب طغيان التقليد، والخوف من تسور الشريعة، مثل: القطع والظن في الأدلة، وما يترتب عليهما كالثابت والمتغير في لأحكام، ودلالة الفطرة، والتقصيد/ العقلانية في التشريعات، والقياس المرسل/ المصلحي، والتمييز بين الوسيلة والمقصد في تحقيق مناط الحكم، وفتح الاجتهاد والذرائع، وقاعدة الإباحة والعُرف بين الناس وما تصالحوا عليه في حياتهم المدنية.. وغيرها.
▪️ الرؤية الثاقبة للمآلات وتقديم الحلول المناسبة للزمن المحقِّقة للمصالح في الحدود الشرعية/المعتبرة؛ فالمنع والإغلاق أمره سهل يُحسنه الجميع بخلاف التجديد وكدِّ العقل بالرجوع لعلوم الشريعة واللغة ومناطات الأدلة وسياقاتها، ثم بناء رؤية (عقلية وشرعية وواقعية) من ذلك كله.
▪️النظرة الاستقرائية الشاملة لأصول الشريعة وفروعها واستحضارها في التأصيل، ومحاولة توجيه ما ينقض القواعد، وقصد المواءمة بين الأحكام الجزئية المتنافرة في الظاهر؛ لحماية الدين من عبث المشككين الجاهلين وانتحال المبطلين سواء بالتفريط أو الإفراط.
▪️الحرص والاهتمام على ضرورة استقلال علم مقاصد الشريعة وتجديده، وبيان غرضه الجوهري في التآلف والإنصاف، والحدِّ من الاختلاف بين الفقهاء وتعّصب الأتباع، والدعوة لتكامله مع ميدانه المعرفي: الفقه وأصوله.
▪️ الوعي والإدراك لملابسات التطوّر التاريخي للعلوم ونشأتها كعلم أصول الفقه، وتوظيف ذلك في النقد والتصحيح والبناء، ومن ثمّ الإضافة العلمية.
▪️ الحضور الظاهر والجلي للبعد الإنساني، والإصلاح المدني وتأصيل ذلك من نصوص الشارع ومقاصدها وتجارب الأمم وأعرافها الحسنة دون مواربة أو استحياء.
▪️عدم القطع والجزم في المسائل الخلافية، أو محاولة إلغاء وطمس الخلاف المعتبر بين أئمة المذاهب.
▪️المراعاة الحسنة لمقامات خطاب الوحي النبوي في عصر الرسالة، واستحضارها في التطبيقات الشرعية وتنزيلها على الواقع.

إنّه بإيجاز مؤلَّف جدير بالقراءة الفاحصة، والمدارسة الناقدة، فهو إضافة إلى ما أُلِّف في هذا العلم يُعدّ محاولة راشدة لبناء علم جديد، وفن مستقل ومتكامل عن أصول الفقه يسمى: علم مقاصد الشريعة..
ولا يزال هذا المجال الشرعي يتمتع بالكثير من الفراغات والإشكاليات التي يمكن الإضافة منها للباحثين وأرباب الدراسات العليا:
⁃ سواء عبر المنحى المعرفي لأسس هذا العلم وانضباطه وعلاقاته بغيره،
⁃ أو المنحى الضمني له ومسائله ومنهجه،
⁃ أو المنحى الواقعي وميادانه التطبيقي في الحياة، مع استفادته من العلوم الإجتماعية والإنسانية التي تكشف المجتمع وتراعي سنن التغيرات الكونية.


الطاهر بن عاشور


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع