التقنيات الفنية في مذكرات السيد حافظ ( الخلاصة ) (4)
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
22/01/2024 القراءات: 424
الخلاصة :
إن صفوة القول هو الكلام القليل الذي يؤسس لقضية كبرى ممتدة، من خلال اختزال هذا الكلام الكثير في بنية قولية قصيرة ومركزة، تعرف في السرد بالخلاصة ، فهي " تعمد الرواى اختزال سلسلة من الأحداث يفترض أنها استغرقت سنوات أو أشهر أو ساعات، فتتحول نصياً إلى صفحات أو أسطر أو بضع كلمات"( )
وقد عمد "السيد حافظ" إلى هذه التقنية في ذكر مراحله العمرية في خلاصات مركزة تضم خلالها أحداثًا كثيرة، فمن ذلك قوله " كل ما أطلبه منك أن تكون واعيا بأن كبار الكتاب عندما وقعوا على بيان اللا سلم واللا حرب في عهد الرئيس "السادات" في الصباح.. انسحبوا في المساء وكتبوا بيانا آخر فلاتكن مثل الآخرين. هم كبار"( )
فهو هنا يوجه رسالة ناتجة عن تجارب وخبرات سنوات ممتدة في الحياة والواقع ، في بضع كلمات واسطر قليلة تنبه المتلقي إلى خلاصة الواقع والتعامل معه، وهذا يتعلق بالتجربة.
ويقول في بيان خلاصة مراحله العمرية :
رحلة الطفولة : " فمن سن ميلادي وحتى عشر سنين لا أتذكر أني لعبت في الشارع والحارة." ( )
المرحلة العشرينية : " من سن عشرة إلى عشرين بدأت حياتي تتغير عندما شاهدت فيلم (بداية ونهاية) شدني الكاتب الكبير "نجيب محفوظ" عشت في جلبابه بعضا من الوقت"( )
مرحلة دخول المسرح: " ثم بدأت ادخل المسرح في سن 12 سنة. وفي هذا السن بدأت حياتي مع المسرح تتغير، قرأت لأستاذي الكبير "توفيق الحكيم". "( )
المرحلة الثلاثنية : " من عشرين لثلاثين بدأت المعاناة . معاناة النشر معاناة الكتابة معاناة الوجع معاناة أن اكتشف في القاهرة القاسية القلب على أبناءها وعلى فنانيها وعلى مبدعيها. "( )
وفيها أيضًا الهجرة حيث يقول : "أما في الفترة من عشرين إلى ثلاثين بدأت معاناتي بالهجرة إلى الخليج( )"
المرحلة الأربعينية " من ثلاثين إلى أربعين كنت أناضل في الحياة وفي جريدة (السياسة)، ففتحت أبواب الصفحات الثقافية التي توليت الإشراف عليها وصفحات الفن"( )
وفيها تمت العودة إلى مصر، فيقول " في الاربعين عدت إلى مصر، من الأربعين إلى الخمسين خسرت كل أموالي في مؤسسة (رؤيا). ( )
المرحلة الخمسينية ، يقول الكاتب "في سن الخمسين كنت بدأت أتدهور وسافرت إلى القاهرة لأبدأ من الصفر، وسكنت أنا وأولادي في شقة حقيرة مفروشة وكانت معي أمي العظيمة تدعمني ومعي أم اولادي، بدأت أكتب للتليفزيون المصري وأكتب مرة أخرى وأعود من خمسين إلى سبعة وخمسين سنة إلى أن حدثت لي المشكلة الكبرى، زلزال مرض زوجتي وابني وتخلي الأصدقاء عني وتخلي الوطن عني وتخلي الأقارب عني فأصبحت وحيدا مثل شجر السنديان( )
وتم فيها السفر إلى الإمارات، يقول ". المهم سافرت إلى الإمارات في سن 57 سنة . ومن 57 إلى سن 63 عشت في الإمارات فترة صعبة. كنت محظوظا أن ساعدني بعض الرفاق القدامى( )
وهكذا نجد الكاتب يقدم خلاصات لتجارب ممتدة في أسطر وجيزة معتمدًا على الخلاصة السردية.
زمان الذكريات :
لكلّ إنسان ذكريات سارّة وأخرى مؤلمة تربطه بالماضي؛ فكثيرًا "ما يسترجعها بخياله، ويتمنّى لو أنّها تعاد؛ كي يستمتع باللّحظات الجميلة التي جمعته بمن تربطه بهم علاقة حميميّة، أو أن يتصرّف بشكلٍ أفضل ممّا فعل في الأحداث المؤلمة واللّحظات الصّعبة التي مرّ بها سالفًا؛ وعليه فقد تبيّن أنّ الدّافع الحقيقيّ وراء النوستالجيا هو تألّم الشّخصيّة وشعورها بالتّوتّر والغربة جرّاء ماضٍ مفرح مفعّم بالذّكريات الحميميّة. وحاضر سيء لا يُلبّي رغباته؛ لذا فهو ساخطٌ عليه، متبرّمٌ منه."( )
زمان الحكي:
إن زمان الحكي يختلف عن زمان الحدث ، فزمان الحكي " مشتق من الفعل يحكي " أو يروي" والذي ينتسب إليه صفة "عارف" أو على دراية بـ ، والمشتقة بدورها من الجذر اللغوي يعرف، كما يمكن استخدام كلمة قصة مرادفا لكلمة حكي ويمكن استخدامها أيضا للإشارة إلى متتالية من الأحداث توصف في أحد لمحكيات"( )
و "من الطبيعي ألا يسير الخطاب جنبا إلى جنب مع الحكاية، ومن ثم لن يطابق زمنه زمنها مطابقة تامة، فدراسة الزمن السردي" تبنى على مبدأ التمييز بين المبنى الحكائي، أو الخطاب الذي يرجع ،( faboula – fable) وبين المتن الحكائي أو القصة ،(sijuzhet – sujet) السردي إلى دوسكويفسكي من الشكلانيين الروس، فالخطاب يتطلب من الروائي أحيانا أن يعود إلى الوراء لإستداراك حدث سبق أو معلومة حان دورها للبوح بها، أو يستبق التسلسل الزمني للسرد لهدف في ذهنه، وبهذا الخروج عن زمن الحكاية المنطقي، ومن هنا تمثل أمامنا أهم قضايا الزمن السردي، وهي " الترتيب الزمني"؛ "وفي هذه الحالة.. للراوي أن يحدث مطابقة بين زمن الخطاب، وزمن الحكاية وهي حالة ممكنة نظريا، لكنها غير معروفة ،(Achrony )بين الزمنيين." ( )
يقول الكاتب :" سنتكلم اليوم عن فارس من فرسان الكويت صديقي وأستاذي وحبيبي المحترم "خالد سعود الزيد" الشاعر والباحث والناقد والمفكر والصوفي البهي، من مواليد عام 1937م وتوفي عن عمر 63 سنة – رحمه الله –، لكني أريد أن أتكلم عن مواقف فالرجولة مواقف والوطن مواقف، فعندما نتحدث عن مصر مثلا لا نقول الأهرامات والشارع نظيف والنيل والهواء وبحر الأسكندرية جميل فهذا كلام ساذج وكلام خائب ولكن عندما نتحدث عن مصر نقول فلان قام بعمل كذا وكذا .. لكن مصر برجالها ونسائها المحترمات وبشبابها العظيم وهكذا أي بلد مثل الكويت بشبابها العظيم ورجالها العظام وفنانيها الكبار ومثقفينها الكبار، أما السيئين فهم كثير جدًا في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وحدث ولا حرج" ( ).
التقنيات .. الخلاصة .
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع