الرَّيف والخُضرةُ وأحلامُ الطفولة
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
27/01/2024 القراءات: 586
الرِّيفُ والخُضرةُ والقرية الصغيرة في أحضان الحقول، والطُّرقات الجانبية، والشوارع الضيقة، والبِناياتُ البسيطةُ من الطوب اللَّبِن أو الأسمنتيّ، والتِّرَع والجداول، والمسجد، وأطفال القرية؛ كلُّ ذلك سماتٌ تميز القرية.
فالطفولة تختلف باختلاف البيئة التي ينشأ فيها الطفل، والمؤثِّرات التي تحيط به أو تُفرَض عليه ولا يكون له دخْلٌ في ذلك؛ فالإنسان بطبيعة الحال يتأثَّر بمن حوله ويؤثِّر فيهم؛ والأطفالُ ينظرون لمن حولهم على أنَّهم مُثُلٌ عُليا أو شخصياتٌ يَحِقُّ لهم تقليدُها واتِّباعُ أقوالها.
أمّا ليلُ القرية ونهارُها يختلفانِ كلَّ الاختلاف عن المدينة وطقوسِها؛ فالقريةُ لها طقوسٌ تعتزُّ بها ليلَ نهار.
هذه الطقوسُ أصبحَتْ لَدَينا من المسَلَّمات من كثرة التَّكرار اليومي والاستمرارية، ومنها: النَّوم مبكِّرًا، والهدوء المخيم على الجميع بعيدا عن صخب المدينة، والاستيقاظ مبكِّرًا للسيدات اللائي يَحْلبْنَ الماشية، ويقُمْنَ بإعداد الفُطور للزوج والأولاد والأشِقَّاء والجَدِّ والجَدَّة - في حال العائلات - وهذه قضايا متعارَفٌ عليها في فلسفة القرية .
يوم القرية يبدأ من صلاة الفجر ثمَّ الفُطور باللبن الطازج والخبز المجفف - الناشف - وذلك بخلطهما معًا - وهو ما يسمَّى: "التزْقية" أو "الفتَّة" وهي هنا من الحليب وليس اللحْم .
ثمَّ بعد ذلك يبدأ الذَّهابُ إلى الحقل، والعملُ حتى وقت الظهيرة؛ وهذا العمل يختلف باختلاف المواسم والأوقات، والتوقيتات؛ فعمل الصيف غير عمل الشتاء، غير الخريف، غير الربيع.
كذلك يوجد العمل الأساسيُّ، والعمل الثانويُّ، والعمل الذي يستدعي تعاونَ الجيران لإنجازه، والعملُ الذي يقوم به أهل البيت بمفردهم، ولا مانع من مشاركة النساء في كلتا الحالتين.
وهنا يمكننا رصدُ أنَّ المرأة الريفية مكشوفةٌ في الحقول أمام الآخَرين كالمرأة الساحليَّة مكشوفة في البحر، والمرأة الحضَرية مكشوفة في العمل.
ثم تأتي فترة الغداء، ويختلف طعام الغداء عن طعام الفُطور، ثم طعام العشاء ويكون بعد صلاة المغرب.
وهكذا فإنَّ يومَ القرية يمرُّ بهذه الصورة الثابتة أو تتجدَّد عليه بعضُ القضايا والمستجَدَّات ولكن حسب الظروف.
أمَّا ليل القرية فيتميَّز بالسكون: كلُّ شخص في بيته، حول اللمبة نمرة 10 أو اللمبة الجاز التي تقوم النساء بتجهيزها من العصر، وخصوصًا في الشتاء، والمنقَد الذي يلتفُّ الجميع حوله للحديث والمسامرة، وهو من العادات المقدسة في فصل الشتاء في القرية المصرية، ويُعَدُّ الشاي عليه، بخلاف "الركية" التي تُستخدم في كل الأوقات، وهكذا يمر النهار والليل في القرية.
القريةُ لا تعرف صخَبَ المدينة ولا ضجيجَها؛ فهي مجموعة من الأعمال يؤديها أصحابها كلَّ يوم، تجمعهم صِلاتُ القرابة والجِوار والنسب، ويشاركون بعضهم في معظم الأعمال؛ وهم بذلك أكثرُ انفتاحًا على بعضهم البعض بخِلاف أهل المدينة الذين يتَّسمون بالعزلة بقدْرٍ كبير .
وعَودٌ على بدءٍ فإنَّ أطفالَ القريةِ يعرفون بعضهم البعض، ويخالطون بعضهم في اللَّعِب في أزِقَّة القرية وشوارعها ، وينتظرون ذلك كل صباح؛ تجمعهم الأقدامُ الحافية، والأجسامُ العارية، والأحلامُ البسيطة. يتشاجرون ويتصالحون في ذات الوقت
الريف ..الخضرة ....الطفولة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع