مدونة د. طه أحمد الزيدي


فتوى بشأن الدعاء لغير المسلم، والدعاء على أهل المعاصي

د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI


08/05/2023 القراءات: 442  



الدعاء لغير المسلم
س: لي زميل موظف غير مسلم، وفي بعض الاحيان ادعو له عند مرضه، أو ادعو له بالمغفرة، هل يجوز الدعاء لغير المسلم؟
ج: ذهب الفقهاء الى جواز الدعاء لغير المسلم بالهداية والعافية والسلامة، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، ومنها دعاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهُمَّ أَعِزَّ الْإسلام بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أو بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَى اللهِ عُمَر بْنَ الْخَطَّابِ"، أخرجه احمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وذلك قبل إسلام عمر رضي الله عنه، ودعاؤه لأم أبي هريرة رضي الله عنهما: "اللهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، أخرجه مسلم، ودعاؤه لقبيلة دوس: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ" أخرجه البخاري ومسلم.
واما الدعاء لغير المسلم بالمغفرة، فللعلماء تفصيل: مجمله يجوز الدعاء له بالمغفرة ما دام حيا، رجاء أن يهديه الله الى الإسلام فتحصل له المغفرة بسبب إسلامه، وهو من حقوق الآخرين عليك في الانسانية، ومن واجبات المسلم الحرص على هداية الاخرين للإسلام، ويستدل على هذا بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء، ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: «رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»، أخرجه البخاري ومسلم، ومن العلماء من اشترط عدم أذيتهم للمسلمين.
وأما من مات على غير الإسلام، فلا يدعو له بالمغفرة أو الرحمة؛ لانتفاء مقصد رجاء هدايتهم وإسلامهم بتحقق موتهم، قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة: 113)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا. والله أعلم وأرحم.
الدعاء على أهل المعاصي
س: لي جار يرتكب كثيرا من المعاصي، وبعضها تؤذينا، فهل يجوز الدعاء على أهل المعاصي؟
الجواب: من حقوق الجار في الإسلام بذل النصح إليه، وارشاده برفق الى ترك ما عليه من المعاصي والفواحش.
وأما الدعاء على أهل المعاصي ففيه تفصيل:
الراجح أن الدعاء على المسلم المعين الواقع في المعصية لا يجوز، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الرجل الذي شرب الخمر، ولأن في ذلك إعانة للشيطان عليه، فقد أتي بسكران يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم إلعنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله»، وفي رواية: فلما انصرف قال رجل: ما له أخزاه الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم» أخرجهما البخاري .
وأما الدعاء عليه بسبب ظلمه وإيذائه لك، فهو جائز بقدر مظلمته، قال عليه الصلاة والسلام محذرا من دعوة المظلوم: وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ»، أخرجه البخاري ومسلم وقد ثبت في الصحيح أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه دعا على من ظلمه وأن سعيد بن زيد ضي الله عنه دعا على امرأة ظلمته فاستجيب لهما، ومع ذلك فترك الدعاء عليه أولى، وهو من الصبر، قال تعالى: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل: 126)، وقوله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43)، وكره النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو على عدوه، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً" أخرجه مسلم.
والأفضل أن يدعو له بالهداية والصلاح، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما دعا لأم أبي هريرة رضي الله عنه وكانت تتكلم فيه عليه الصلاة والسلام، عن أبي هريرة قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإسلام فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ»، وفيه: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَبْشِرْ قَدِ اسْتَجَابَ اللهُ دَعْوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا"، أخرجه مسلم.
وقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، قَالَ: (اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ)، أخرجه البخاري ومسلم.
وعدم الدعاء لا يعني عدم انكار المنكر والتحذير من المعصية، مع مراعاة الرفق واللين في إنكار المنكر وبيان شفقته وحرصه على صلاحه، لما فيه من حقوق الجيرة عليه.


الدعاء لغير المسلم- الدعاء على اهل المعاصي- فقه الدعاء- طه الزيدي- التعامل مع غير المسلمين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع