مدونة محمد كريم الساعدي


جريمة حرق القرآن الكريم وتشويه صورة الآخر المسلم هي من مرتكزات الحضارة الغربية/ الجزء الأول

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


29/06/2023 القراءات: 288  


إنَّ ما يحصل اليوم من أعمال مسيئة للقرآن الكريم وتتبعها هجمات تشويهية ضد الرسول محمد (ص) هي ليست نتاج فرد في دولة مثل السويد ،أو مجموعة من الأشخاص ،أو الجمعيات المناهضة للإسلام في الغرب ، بل إنَّ القضية هي أبعد من ذلك بكثير ، وهي أفعال مرتبطة بالسياسة الغربية عامة وبالعقل الغربي الذي تبني هذه المسألة منذ قرون عديدة مضت ، وهي مبنية على دلالات قصدية هدفها ليس فقط أثارة ملياري مسلم في الوقت الحاضر ، بل غرضها الإستمرار بنفس المخطط القديم الذي يتجدد في كل عصر بوصف معين وبصفات ونعوت مختلقة يتبناها الفكر الغربي تجاه الآخر العربي المسلم ونبيه الكريم وكتاب الإسلام المقدس (القرآن الكريم )
إنَّ تعاقب الحقب الزمنية على مجموعة من الدلالات القصدية تجاه ظاهرة تبناها العقل الغربي في تشويه الآخر المسلم ، وجعلها من أساسيات الحضور لديه في وصف هذه الظاهرة ، التي أصبحت من المرتكزات المهمة في هذا الحضور الميتافيزيقي الغربي ، في توصيف صورة الآخر المسلم ، وهذه الظاهرة التي قامت عليها عملية تقييم الأنا الغربي تجاه الآخر في كل أبعاده ومسمياته ، وأخذت حجم مهم في الحقول المعرفية والثقافية الغربية، كون هذا الآخر من كان يخالف ويغاير النظرة الكونية الغربية في صياغة العالم ثقافياً ومعرفياً ، وكانت لهذا الآخر دلالات يّعرف بها في الذهنية الغربية على مستوى الحضور في ذهنية الجمهور الغربي ، ولكل طبقة أو شريحة يكون فيها الآخر ممثل بوصف معين ،أو طريقة يحاكيها أبناء الحضارة الغربية ، مثلاً كان الآخر وخاصة المسلم الشرقي ، وأكثر تحديداً القريب الى الحدود الجغرافية الأوربية ، يعرف في الديانات الغربية ومنها المسيحية ، بأنه كافر وقاتل لأبناء الديانة المسيحية في الشرق ، وما الحروب الصليبية التي أطلقها الغرب الأوربي بممالكه وحكوماته إلا صورة من صور التعبير عن هذا الآخر الكافر الخارج عن السياق الديني في الغرب ، وليس المغاير الذي يشكل حلقة تكاملية مع الديانة الأخرى .
إنَّ (الأنا الغربية) وفي إحدى تمظهراتها وهي في حقبة القرون الوسطى وما بعدها وخصوصاً في أوج سيطرة الديانة المسيحية على أركنا القارة الأوربية، وما بعدها الأمريكية الشمالية كانت تعطي للآخر المسلم ، الذي هو ند لها بحسب اعتقاد السلطات الدينية في الغرب المسيحي ، أوصاف خاصة ، إذ ظهر وفق توصيفاته ، للشرقي ، والعربي، والتركي ، والفارسي، صورة للشهواني القاسي ، أو صورة البربري الفظ يجمع بين هذه الصور دين بسيط وبدائي ومتعصب وعدواني هو الإسلام، وكانت مسيحية القرون الوسطى قد بنت هذه الصورة، ونسجتها مخيلة تمركزها اللاهوتي الذي دفع الى حدوث أكبر مواجهة دينية بين الإسلام والمسيحية خلال الحروب الصليبية التي دامت أكثر من خمسة قرون راح ضحيتها الآلاف من المسلمين والمسيحيين ودمرت مدن و دويلات ، لسبب تبني العقل الغربي في هذه الحقبة أوصاف الآخر المسلم ، وهي لم تكن وليدة لحظتها ، أي أن هذه النظرة و دلالاتها التشويهية ، هي كانت من ارتدادات أفكار سابقة جعلت من السابق بين الشرق المتمثل بالحضارات القديمة الى حين قدوم الإسلام في مقابل الإمبراطوريات الغربية في حوض المتوسط وما وضعوه من أوصاف مختلفة ، ومنها البربري والهمجي الذي كان ينافس باعتقاد التفكير الغربي في تلك الحقب ، بلاد اليونان وبعدها الرومان ، وما الحروب التي شهدتها هذه المنطقة ، أي منطقة التماس بين قارتي أسيا وأوربا ، ما هي الا مشاهد لهذا التنافس ، الذي كان يغلب عليه انتقال الغلبة بين الطرفين كلما كانت استعدادات أحد الطرفين أقوى من الآخر ، لكن مع هذا التنافس الشديد ، كانت هناك صفات وأوصاف ساقها الإغريقي ومن بعده الروماني ضد الآخر الشرقي سواء كان في بلاد وادي الرافدين ،أو بلاد فارس ،أو في مصر القديمة وحضارتها الفرعونية وما قبلها كان أسلوبهم في إخضاع الآخر اولاً ، تم تثبيت أوصافهم على وفق ما يريدون ، وخصوصاً ما فعل الرومان بالشعوب الأسيوية والأفريقية بعدما اجتاحوهم وأخضعوهم لسلطتهم ، وهذه الطريقة في الإخضاع والتشويه يشير اليها (مونتسكيو) في كتابه(تأملات في تاريخ الرومان) إذ يقول عنهم : طريقتهم نوع من الغزو التدريجي ، بعد فوزهم على عدو يكتفون بإضعافه ، يملون عليه شروطاً توهنه من دون أن يشعر بالأمر ، إنَّ انتعش عادوا وأهانوه إهانة أكبر حتى يصبح خانعاً خاضعاً وهو لا يعلم متى حدث ذلك بالضبط ، فإن الخضوع والخنوع وما يرافقها من عمليات تركيع للشعوب الأخرى تضفي على هذه الشعوب مجموعة من الأفعال والتصرفات التي تصبح جزء من حياته دون أن يعرف من وضعها فيه ومن عمل عليها ، لكن في الحقيقة هي يتم الاشتغال عليها بشكل مستمر على وفق تخطيط واستراتيجيات معينه ، تصبح بمرور الزمان آليات عمل ممنهجة تجاه الشعوب المعارضة لهذه السياسات ، وتصبح آليات التعامل والصفات التي ترافقها والتي وصمت بها الآخر ثابتة في هذا العقل ، الذي مثله في بدايات الصراع ، لا نقول الأولى، بل هي التي تؤسس للخلاف الثقافي عند اليونان الذين كانت لديهم نظرة استعلاء ضد الشعوب الأخرى التي يصفونها بأوصاف مشوهة لأبناء هذه الشعوب التي تقع خارج ما يسمى بالحضارة الغربية ،


تشويه ، صورة ، الحضارة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع