النص الفاعل والنص الميت- الخامل- ( جدلية الواقع والمثال )
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
23/02/2024 القراءات: 481
النص من وجهة نظري ليس مجموعة من العبارات والجمل المنضبطة نحويًا وبلاغيًا، فهذا من التأسيس الأوّلِي له؛ إنما النص كائن فاعل في منتجه ومتلقيه، وفاعل في ذاته قبل ذلك، ولا يمكن أن تنتهي العلامات التي تتصاعد منه بمرو الوقت والمكان الذي يعتمل فيه ومن خلاله.
إن النصوص الخالدة والفاعلة تفرض نفسها بصورة مباشرة على الساحة الأدبية والمعرفية، ولا تستجيب لعوامل العزل والتعرية التي يمارسها الأخرون ضدها، مهما كانت قوة هؤلاء.
إذ " لا جدال ولا نقاش حول مكانة النص الأدبي، ودوره الديناميكي في حقل تعليميه اللغات، غير أن ما ينبغي التأكيد عليه ولفت الانتباه إليه، هو أن النص الأدبي يجسد ببنائه المكتمل، حركة تفاعلية نشيطة بين أقطاب العملية التعليمية، التي تسعى من خلال أدوارها المَنُوطة بها إلى بلورة مساعي وأهداف المنظومة التربوية التعليمية، في خلق قارئ متميز ومتفاعل، متشبع بحمولات النص العلمية والفنية والثقافية والتربوية، ومن أجل ذلك يراهن النص الأدبي على مجموعة من الآليات، والمنهجيات التي تسمح له باستكمال صورته الأدبية والجمالية، ومما لا شك فيه أنّ القراءة هي السبيل الوحيد، الذي يضمن للنص الأدبي تحقيق وجوده الفعلي في الواقع الملموس، ذلك لأن الفعل الإبداعي هو لحظة إبداعية غير مكتملة، لأنّ عملية الكتابة تستدعي عملية القراءة، كتلازم جدلي بينهما، يساهم فيه بشكل مباشر القارئ، الذي يُتمّم إنجاز النص ويعطيه شهادة الوجود بالفعل" ( )
من ذلك مسرحية (حرب الملوخية) من بين الأعمال التي تعتبر رائدة و جريئة، وتفصح عن الموقع الذي يحتله "السيد حافظ" في مجال المسرح تنظيراً وإبداعاً. و نحن بتحليلنا لبعض جوانب هذه المسرحية لا ندّعي المقاربة الشاملة لها، لأن ثراء هذا النص يستدعي مزيداً من البحث و التحليل، لقد فضلنا تفادي المجازفة بتحليل كل مكوناتها، لكننا بالمقابل نؤكد أن قراءة نصوص "السيد حافظ" لا بد و أن تتم في سياق مقاربة شاملة. إن قراءة نص واحد من جملة مجموعة من النصوص هي عملية بتر غير ممنهج للتجربة الإبداعية عند هذا الكاتب، وعذرنا في هذا أننا عملنا بالأساس على استجلاء بعض مكونات الخطاب المسرحي. ويبقى النص بحاجة إلى الكثير من الإضاءات النقدية نظرا لما يتوفر عليه من غنى و إيحاء ."( )
هذا نص واحد من نصوص "السيد حافظ " التي تفوح من ثناياها مقومات الإبداع والإبتكار، فعندما قدم "السيد حافظ" عنوانًا كهذا – حرب الملوخية - " كنا كثيراً ما نسمع ونشاهد عروضا تحمل نفس العنوان ، ومع ذلك فهي لا تنتمي إلى الكوميديا من قريب أو بعيد وخاصة فى عصور الانحدار الثقافي وإفلاس الإبداع، وعندما يستعمل تجار المسرح وبسند من أموالهم مسرح القطاع الخاص للفظة السحرية ( مسرحية كوميدية)، وماهو دليل التزييف والتحوير فى الكيانات المسرحية السيئة ، والتى تبهر باللفظة عينها السذج من الجماهير أيا كان مكانها .
المسرحية تاريخية كما أشار مؤلفها؛ لأنها تدور وسط أحداث تاريخية حقا وهى كوميديا لأنها كوميديا من نسيج خاص خالف الكوميديات ولا أبالغ إذا قلت هذا منذ القديم القديم وحتى الآن ..لماذا ؟"( )
دائما كانت اختيارات "السيد حافظ" لنصوصه وعناوين تلك النصوص توحي بالدقة والعناية والدلالة المرجوة من ذلك، فهذا يؤكد مدى حرصه على الرسالة المقصودة والنتيجة المنتظرة من ذلك، ولذلك جاءت هذه النصوص طيعة سهلة تنبض بالحياة وتحمل انسيابية كبيرة، " "فالسيد حافظ" ليس مجرد كاتب مسرحي يحكي لنا حدثاً فى قالب درامى مسرحي بل يعتبر بإنتاجه الفكري الناضج خالقاً مبدعاً له لعالمه الخاص وفلسفته الخاصة. وهو يغوص دائماً فى أعماق النفس الإنسانية محاولاً الكشف والوصول إلى المثالية التى فقدناها فى القرن العشرين محاولاً الكشف عن كل ما يقابله إنسان ذلك العصر من صراعات مالية ونفسية وحضارية. والذى لا شك فيه هو أن "السيد حافظ" يسعى جاهداً إلى خلق أعمال باقية على الزمن مما دفعه غير مرة إلى الخروج صراحة على الأشكال الفنية المألوفة (وهذا ما يؤكده الناقد العربى على شلش - عن مسرح "السيد حافظ" - حينما قال أن ("السيد حافظ" حطم بطموحه وجرأته قواعد المسرح من أرسطو إلى بريخت)، وإلى توسيع أبعاد فنه إلى مستوى التنبؤ العام الشامل بالإضافة إلى الاهتمام بموضوعات الساعة والقضايا المباشرة.
"السيد حافظ" من الكتاب الذين يحملون مسؤولية الغد على أكتافه، فهو يخوض غمار معركة الحق والحقيقة... وهو يرفض أن يكون ملتزماً بالأفكار المجرد،. فمسرحه يتكلم عن كل الزمان الإنسانية... فهو يتكلم فى مسرحه عن قضاياً إنسانية متعددة... الكاتب لم يحمل جواز سفر مصرياً فقط، بل فى الحقيقة حمل هذا الكاتب جواز سفر عربياً أفريقياً عالمياً.. فكل قلوب الناس جنسيته."( )
نعم هذه ثيمة "السيد حافظ" اللامنتمي، انتماءه إلى القيم كالعدل والمساوة، والمظلومين، دائماً ما كتب حول ذلك، وتحدث حول ذلك، نصرة الإنسان في أي مكان ، لذلك كان دائما يعاني بسبب تلك القضايا، " فرفض الواقع مسألة تصعب ممارستها وبخاصة عند الذين لا يملكون البديل للواقع المرفوض. فهؤلاء ليس أمامهم غير الهروب لا من أجل البحث عن بديل من أجل التناسي، التسكع افغماء الواعى، الإلتفات إلى الوراء للتأكد من متابعة واقعهم لهم. ومسألة الهروب هذه هى فى الحقيقة عملية ترسيخ للواقع، وتجذير لأيامه. لذلك نجد حديث الهاربين لا يحتوي إلا على صفحات أراد هذا الإنسان أو ذاك الهروب منها، وتأكد بعد بدايته فى الهروب من استحالة التخلي عنها لأنها تعنيه كياناً، وإنساناً وابناً شرعياً لها، ونتيجة طبيعية لسلوكياتها" ( ).
السيد حافظ لم يكن يهرب من واقعه ويزيف النصوص حتى يُكتَب له الحظوة والذيوع كغيره من أنصاف المثقفين والكتاب، وإنما كان يكتب نصوصًا حية حقيقية تحمل في طياتها علاجًا لكثير من أمراضنا الثقافية، فقد قدم في أعماله نقدا لكافة السلبيات من حوله في صورة كوميدية أو تراجيدية، وقدم الحلول والمخرج من ذلك للنهوض ببيئة ثقافية جديدة،
النص الفاعل والنص الميت- الخامل- ( جدلية الواقع والمثال )
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع