قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ( شروط القاعدة وتقسيماتها ومستنداتها وأدلتها)
معتز منتصر محمد خطيب | Mutaz Montaser Mohammad Khateeb
05/08/2023 القراءات: 1868
يشترط في وجوب ما لا يتم الواجب إلا به شرطان: الأول: أن يكون الوجوب مطلقاً أي غير معلق على حصول ما يتوقف عليه، فإن كان معلقاً على حصول ما يتوقف عليه فهو غير ملزم، كما لو قال السيد لعبده: إن صعدت السطح ونصبت السلم فاسقني ماء، فإنه لا يكون مكلفاً بالصعود ولا بنصب السلم بلا خلاف، بل إن حصل ذلك صار مكلفاً بالسقي وإلا فلا، فالمراد بالواجب المطلق ما لا يكون وجوبه مقيداً بما يتوقف عليه وجوده، وإن كان مقيداً بما يتوقف عليه وجوبه، كقوله تعالى: (أَقِم الصلاةَ لدُلوكِ الشمسِ إلى غسقِ الليلِ) . فإن وجوب الصلاة مقيد بوجود الدلوك، وواجب مطلق بالنسبة للطهارة والتوجه للقبلة. الشرط الثاني: أن يكون ما يتوقف عليه الواجب مقدوراً للمكلف، بأن يكون في وسع المكلف الإتيان به، كالوضوء للصلاة والسير إلى مكة للحج، فإن لم يكن مقدوراً للمكلف فلا يجب عليه تحصيله، ولا يكون واجباً بوجوب الواجب المطلق. كحضور العدد في الجمعة بالموضع الذي تقام فيه، فإنه غير مقدور للمكلف، لأن كل واحد لا يقدر إلا على حضور نفسه دون غيره، فالجمعة بالنسبة لحضور العدد واجب مطلق، ويتوقف على حضور العدد وجود الجمعة، لأنها لا تنعقد بدونه، لكنه لا يجب لكونه غير مقدور، ولتوقف وجوب الجمعة على وجود العدد بالمصر الذي تقام فيه الجمعة واجب مقيد فلا يوجب إيجابه وجوب مقدمته. تقسيمات القاعدة وحكم كل قسم. ما لا يتم الواجب إلا به ينقسم قسمين: 1 ـ ما لا يتم الوجوب إلا به، كشروط الوجوب، وأسبابه، وانتفاء موانعه، فهذه ليست واجبة باتفاق، فليس على المكلف أن يمسك عن إنفاق ما عنده من مال حتى يتم الحول ويزكيه، وليس عليه أن يمسك ما عنده من بهيمة الأنعام أو يزيدها حتى تبلغ نصابا لتجب فيها الزكاة مثلا. وإنما يتصرف في ماله تصرفا عاديا من غير هروب من الزكاة، فإذا حال الحول وعنده نصاب زكاة زكاه وإلا فلا. فهذه الشروط والأسباب وإن كانت داخلة في عموم «ما لا يتم الواجب إلا به» لكنها غير مرادة. 2 ـ ما لا يمكن عقلاً أو شرعاً أو عادةً أن يفعل الواجب تاما إلا بفعله، وهذا ينقسم أيضا قسمين: أ ـ ... ما ليس بمقدور للمكلف، كغسل اليد في الوضوء إذا تعذر لقطع ونحوه، وكالركوع والسجود إذا تعذر ليبس في ظهره ونحو ذلك. فهذا خارج عن القاعدة فلا يجب باتفاق. ب ـ ما هو مقدور للمكلف، مثل غسل جميع الثوب الذي أصابته نجاسة ولا يدري موضعها، وإمساك جزء من الليل مع النهار حتى يتم صيام النهار، والوضوء للصلاة، ونيتها. وهذا ينقسم أيضا قسمين: 1 - ما ورد في إيجابه نص مستقل كالوضوء والنية للصلاة، وهذا واجب باتفاق، ولم ينقل عن أحد فيه خلاف. 2 - ما لم يرد فيه بخصوصه دليل مستقل، وهذا هو موضع النزاع، وهو الذي قال بعض العلماء فيه: لا نسميه واجبا وإن وجب فعله تبعا. والخلاف في هذه القاعدة ضعيف، والقاعدة معمول بها عند جميع الأئمة، ومن نقل فيها خلافا فإنما هو في التسمية، وفي استحقاق هذه الزيادة ثوابا مستقلا. وإنما قال الجمهور: تسمى هذه الزيادة واجبا؛ لأنها لا يجوز تركها أبدا إلا بترك الواجب، وترك الواجب يذم عليه المكلف فكذلك ما لازمه. فما قد يكون مباحًا لم يرد فيه أمر مستقل من الشارع، كإفراز المال لإخراج الزكاة فهذا ليس بواجب قصدًا إنما وجب بقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وعلى هذا النوع تنطبق القاعدة القائلة: يجب التوصل إلى الواجب بما ليس بواجب ,بناءً على ذلك نستطيع أن نقول: إن المباح قد يكون واجبًا إذا كان الواجب لا يتم إلا به، وقد يبقى المباح على حاله الأصلي من جواز الفعل والترك وذلك إذا لم يكن وسيلة إلى أمر آخر. وقد يكون المباح مندوبًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون حرامًا، وذلك حسب تعلقه بغيره و النهي عن الشيء نهي عما لا يتم اجتنابه إلا به. مستندات القاعدة . اتفق الفقهاء على أن الدلالة فيه على الوجوب من جهة اللزوم لا من جهة اللفظ حيث أن اللفظ لا تعرض فيه للمقدمات لكن وجوبها من جهة دلالة الإلزام. وقد خالفهم مجموعة من المعتزلة في ذلك فقد نقل عن إمام الحرمين قوله :" "الأمر بالصلاة على اقتضاء الإيجاب يتضمن الأمر بالطهارة لا محالة وقد أنكر ذلك شرذمة من المعتزلة" المطلب الأول: مستندات القاعدة وأدلتها: أولاً: قال الله تعالى في شأن المنافقين {وَلَو أَرَادُوا اَلْخُرُوج لأَعًدْوا لَهُ عدّْةً}. فذمهم الله سبحانه وعابهم على عدم فعلهم لما لا يتم الخروج إلا به من أخذ العدة للجهاد فدل ذلك على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب يعاقب ويذم تاركه شرعاً. ثانيا: أن الواجب لا يمكن امتثاله إلا به، فيكون واجباً تبعاً لتحقيق المأمور، ولو لم يجب لسقط الوجوب عن المأمور به بلا دليل ناسخ، وهذا يعود على الأوامر بالترك والإبطال، وحقها السمع والامتثال، فلزم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ثالثاً: ان أوامر الشرع ونصوصه منزهة عن النقص والاختلاف فلو كان ما لا يتم الواجب إلا به مندوباً أو مباحاً أو محرماً أو مكروهاً لكان هذا تناقضاً والشريعة منزهة عن ذلك، فلا يكون تحقيق الواجب غير واجب، لأن هذا تناقض باطل، فلزم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. رابعاً: أن التكليف بالمشروط دون الشرط محال، لعدم الإمكان من الجمع بين النقيضين، ولكان مكلفاً بالفعل ولو مع عدمه، فالمشروط يستحيل وجوده عند عدم شرطه. خامساً: أن من لزمه واجب شرعي ثم فرط في مقدماته اللازمة حتى ضاق الوقت عنها فإنه يأثم، فلو كان تركها مباحاً لما أثم فدل على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب يأثم المكلف بتركه فتلك المقدمات لازمة بلزوم الواجب وتابعة له.
الفقه القانون أصول الفقه التشيريع الإسلامي المقاصد الشرعية الأحوال الشخصية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة