مدونة البرفسيور محمد عبد الرحمن يونس


لماذا يكتب محمد عبد الرحمن يونس، ولمن يكتب؟ القسم الثاني

البروفسيور محمد عبد الرحمن يونس | professor : Mohammad Abdul Rahman Younes


16/02/2025 القراءات: 16  


لماذا يكتب محمد عبد الرحمن يونس، ولمن يكتب؟ القسم الثاني

عندما أكتب نصا إبداعيا، سواء أكان قصة قصيرة أم رواية، أم بحثا أكاديميا، فإني لا أفترض أن قارئا معينا، بثقافة معينة، أو أفق معين، سيقرأ هذا النص أو لا يقرأه. فالكتابة حالة جمالية تستنفر شرطا إنسانيا ومعرفيا، يشكّله الكاتب من مجموع الخبرات المعرفية، والخلفيات المعرفية التي تشكل حقلا مرجعيا يفيد الكاتب منه، ويوظّفه حين كتابته، وهي لا تعني أننا يجب أن نستحضر قارئا مسبقا، نراعي ثقافته وخبرته المعرفية وحبه للمعرفة وشغفه بها، وتعلقه بها. ثم ليس بالتأكيد أن يصل النص المكتوب إلى كل شرائح القراء في العالم العربي، ويراعي اهتماماتهم المعرفية، وخبراتهم القرائية، فالكاتب ليس باستطاعته أن يعرف ماذا يغري القارئ، وماذا يجعل هذا القارئ أو ذاك يبتعد عن النص المكتوب، وينفر منه. وبالنسبة لي، لا أرى أن النص الذي يكثر قراؤه أكثر أهمية من نص عدد قرائه قليل، القضية ليست بالكم أبدا، إنما القضية تتحدد بمدى اهتمام هذا القارئ، وقدراته، واهتماماته المعرفية والعلمية. ومن الملاحظ أن فعل الكتابة في عالمنا العربي، يقل تأثيره في تفكير الناس واهتماماتهم، وبالتالي فإن فعل القراءة هو محدود أيضا. لقد تراجعت الثقافة النبيلة والإنسانية والمعرفية في عالمنا العربي، وحلّت محلها ثقافة الاستهلاك الرخيصة والسلعة، وثقافة الجنس والأبراج، والثقافة الاستهلاكية السريعة التي لا تسهم في نمو طاقات العقل وتزيد في أفقه التخيلي والمعرفي. ثقافة التسلية السريعة هي الأكثر رواجا في عالمنا العربي، بينما الثقافة الجادة الرصينة تتراجع يوميا. إن اهتمامات القارئ العربي المعاصر ليست نفسها التي كانت قبل خمسين سنة أو ستين سنة. وعلى الرغم من اتساع منافذ المعرفة في عالمنا العربي واتساع حقولها، إلا أن الأميّة لا تزال تضرب بقوة وشراسة بنية العالم العربي، فهناك كما تشير الإحصائيات المعاصرة أكثر من مائة مليون أميّ في عالمنا العربي، زد على ذلك أميّة خريجي الجامعة نفسها، فبعد أن يتخرج كثير من الطلاب العرب لا يقرأون بحثا واحدا، أو لا يكتبون، وكأن القراءة صارت في عالمنا العربي غاية وظيفية، هدفها في المقام الأول الحصول على الشهادة الجامعية، وليست غاية حضارية ومعرفية هدفها الإسهام في نمو العقل وزيادة قدراته، والتأكيد على دوره في بناء حضارة الأمة ورقيها، ولم تسهم جامعاتنا العربية المعاصرة، على الرغم من اتساعها وشساعتها، وتعقّد هيكلها الإداري والتعليمي في زيادة فعل القراءة الصحيحة، وتكريس دورها في وجود قارئ متميز، مؤمن بالثقافة كقيمة جمالية عليا، وبنية مهمة من بنى المعرفة في عالمنا العربي، لقد شكلت بعض الجامعات العربية سدا منيعا ضد فعل القراءة، لأنها كرست ثقافة الاستبداد والتسلط، والفردية الضيقة المتزمتة، كل ذلك بفعل استبداد القائمين على جامعاتنا العربية، استبدادا لا حدود له. إن مدير هذه الجامعة أو تلك أو عميد هذه الكلية أو تلك، يظن نفسه أنه العقل الأول في هذه الجامعة أو تلك الجامعة الأخرى، ويحارب كل من يختلفون معه، وبالتالي يعادي كل من يختلفون معه في الفهم والتأويل والرؤية، فإذا كانت جامعاتنا تلغي الآخر، فكيف لها أن تبني عقل الآخر بناء معرفيا.


تكريم يونس2، ندوة دولية ، الأكاديمية