مدونة محمد كريم الساعدي


العرب ومسرح الشارع / الجزء الثالث

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


17/03/2024 القراءات: 144  


وفي الانتقال إلى شكل آخر من الدراما التي تقدم في الأماكن المفتوحة ، فكان للعربة التي يقودها الفنان في الطرقات والساحات العامة وما يقدم من خلال الصندوق الذي تحمله العربة من حكايات وقصص عن أماكن مختلفة يجتمع حولها من يريد أن يشاهدها ،إذ يرى عبد الكريم برشيد في هذا النوع من المظاهر الدرامية التي تعتمد على المشاهدة التي من الممكن أن يصاحبها التعليق من الفنان الذي يقود العربة ، أو يحمله على ظهره ، إذ يرى برشيد في هذه الممارسة أن صندوق الدنيا قريب "من خيال الظل ، عرف المجتمع العربي صندوق الدنيا أو صندوق العجب ، وفي هذا الصندوق يقول المخرج المسرحي خالد الطريفي : والكون يدور والحياة تسير كأننا أمام صندوق عجب ، وصندوق العجب ، هو صندوق الفناء ندخل ونخرج منه بالتعاقب " (6) . إنَّ هذه الظاهرة الفنية التي تحمل في طياتها الفعل الدرامي من خلال مجموعة الصور التي تختزل الدنيا هي ليست ظاهرة مسرح الشارع ، لكن فيها ما هو قريب لهذه الظاهرة الدرامية من حيث أن حدوثها واشتغال الأحداث فيها تتم من خلال صندوق الفرجة الذي يتجول فيه الفنان خارج البيوتات والأماكن المغلقة ، فمسرح العلبة هو المكان الذي يحوي بداخله المتفرج والعرض ،أما هذه العلبة الصغيرة فالمتفرج يكون خارجها ويرتبط بعلاقة معها من خلال الأماكن المحددة في داخل الصندوق لمشاهدة صور من العالم " تختبئ كل العوالم الممكنة ، والتي هي عوالم تَسَعُ كل الناس وتَسَعُ كل الأحداث ، وتسع كل الأشياء ، وتختزل كل الدنيا ، وتسع الحياة ، وذلك في رسومات فقط ، رسومات ورقية مقصوصة وملونة بألوان الوجود وبألوان الطبيعة وبألوان الحياة " (7) ، هذه العوالم والصور والألوان كلها تروي أحداثاً عن مواقع قد تكون حقيقة بالأسم لكنها مصوّرة بشكل مصوّر من قبل الفنان الذي رتبها وأعدّها في هذا الصندوق.
وفي غرب الوطن العربي ، أي في دول المغرب العربي تنوعت الظاهرة الدرامية التي تحوي صوراً من مسرح الشارع ، المسرح الذي يقدم في الساحات العامة والأسواق فيها ، فمن المواسم إلى الحلقات إلى البساط إلى بعض من مظاهر سلطان الطلبة ، وغيرها من الاحتفالات التي ركزت عليها الاحتفالية في اشتغالها الدرامي ، كلها تشير إلى أن عروض الشارع كانت وما تزال موجودة وتستمر بعض ملامحها إلى اليوم في هذه المنطقة من العالم . في مجال الموسم في المغرب يرى برشيد بإن "الموسم ،كما يعرف في المغرب ، هو احتفال شعبي اجتماعي ، ديني ، اقتصادي ، إبداعي ، ويقابله في مصر المولد . وهذا الموسم –المولد ، هو بالأساس فضاء احتفالي بأمتياز ، وهو لحظة للتلاقي الإنساني ، وهو أحتفاء بالحياة ، وبالزواج ، وبالولادة ، وهو درجة حيوية يلتقي عندها الطبيعي والثقافي ، ويتحاور فيها عطاء الأرض وعطاء الإنسان ، وتجسد مسرحية (عرس الأطلس) هذا الموسم الأطلسي ، وتجعله مسرحاً مفتوحاً على مستويين ؛ أفقياً ورأسياً وبهذا يلتقي – الديني والدنيوي " (8) . وهذا المزج بينهما هو ما يقوم عليه هذا الاحتفال ، على عكس ما يقام في الشرق الإسلامي في التعزية الذي يرتبط بما هو ديني بحت ، بينما في الغرب العربي يرتبط الاحتفال لديهم بما هو ديني ودنيوي يجعل من الظاهرة الدرامية التي تقام في الأماكن المفتوحة تمزج بين الفرح والإبتسامة بسبب المناسبات التي تقام بها هذه المظاهر الاحتفالية ذات الصبغة الدرامية ، وبين المجال الديني المرافق لهذه المراسيم الاحتفالية بجانبها المفرح ، وليس في جانب الحزن . ويقدم في مراكش العديد من صور الاحتفال في الفضاءات العامة ذات الارتباطات الدينية ، ويرى (د. علي الراعي ) في من يزور " سوق جامع الفناء بمراكش يجد هذه الصورة التي نتخيلها حقيقة واقعة . يجد مسرح الحلقة في أشكال متعددة ، ويجد مسرح الممثل الفرد الذي يقوم وحدة بجميع الأدوار ، ويجد تمثيلاً عادياً يتعدد فيه المؤدي ، ويشبه من قريب تمثيل المحبظين ،كما يجد ألعاباً مختلفة للحواة والمشعوذين يشركون فيها الجمهور ،ورقصاً شعبياً مخلوطاً بالأداء التمثيلي الفكاهي " (9). إنَّ ما يقام في داخل سوق جامع الفناء يشير إلى طبيعة العمل الدرامي في هذا المجال ، إذ تتميز أعمال السوق ببعدها الدرامي المنتمي لمسرح الشارع ، فبين مسرح الحلقة ، والممثل المنفرد الذي يشبه في طريقة تقديمه أداء المحبظين في مصر ، مع ما يقدم من أعمال مختلفة بين أعمال الحاوي والمشعوذ المصاحب للأداء الفكاهي الذي يجلب المشاهدين من مرتادي السوق ، وكل هذه الأعمال ذات البعد الدرامي فيها صور من مسرح الشارع تقدم في الأماكن العامة المفتوحة ,


مسرح ، الشارع


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع