مدونة د. أسماء صالح العامر


الأمطار ودورتها (الجزء الثاني)

د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer


17/12/2023 القراءات: 398  


حيث تعترض الرياح المحملة ببخار الماء إذ تجبر الهواء الرطب على الارتفاع إلى الأعلى فيبرد ويتكاثف ويسقط مطرا غزيرا.
أما النقطة السادسة فبعد أن يتكون السحاب يمر فيه تيار هوائي دائري يدور كالعصارة فيرفع بدورانه هذه السحابة المشبعة ببخار الماء إلى أعلى فيبرد ويتكاثف ويلقح أيضا وتبدأ عملية العصر عند نقطة محددة في مكان محدد في الطبقات العليا. فتنزل المطر ثم لا تلبث أن ترفع كمية أخرى من الهواء المشبع ببخار الماء من أسفل إلى أعلى وتتكثف وينزل الماء. فعن طريق العصر ينزل الماء من السحب دفعة دفعة وليس بانسياب مستمر، وهذه الظاهرة تشاهد كثيرا في المناطق الاستوائية حيث تيارات الحمل قوية فتحمل السحاب وينزل المطر وتكثر الغابات وتتشابك وتلتف الأشجار حول بعضها البعض .. قال تعالى: وأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (18)، (المؤمنون: 18) .. يقرر العلم بأنه:
يرجع سبب نزول المطر إلى الأرض إلى أن جاذبية الأرض لبخار الماء أقوى من سرعة انطلاق جزيئات الماء للخروج من نطاق الجاذبية وقد وجد أن السرعة اللازمة حتى ينطلق بخار الماء عن جاذبية الأرض هي 2، 11 كيلومتر/ ثانية .. إذن فإن من الممكن لو زادت سرعة انطلاق جزيئات الماء عن فعل الجاذبية الأرضية أن يذهب الماء عن الأرض.
وهذا ما قرره القرآن الكريم حيث أن اللّه ينزل الماء بقدر معلوم وإلا لغطت الفيضانات سطح الكرة الأرضية وهلك الناس والحيوان. وأن اللّه أسكن الماء في الأرض وهذه حقيقة علمية، وأنه قادر على أن يذهب الماء فلا ينزل إلى الأرض وللّه في خلقه شئون «1». وأدناه الدورة المائية في صور والتي اختصرتها الآية الأولى التي ذكرناها في بداية الفصل.
دورة المياه في الطبيعة في صور توضح مراحل تحول الماء من بخار إلى مطر أو جليد وهكذا
يقول تعالى في سورة الواقعة أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (70). يفسر صاحب الظلال رحمه اللّه هذه الآيات المباركة بقوله: وهذا الماء أصل الحياة وعنصرها الذي لا ينشأ إلا به كما قدر اللّه، ما دور الإنسانية فيه؟ دوره أنه يشربه، أما الذي أنشأ عناصره وأما الذي أنزله من سحائبه فهو اللّه سبحانه. وهو الذي قدر أن يكون عذبا فكان، لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً، مالحا لا يستساغ ولا ينشئ الحياة فهلا يشكرون فضل اللّه الذي أجرى مشيئته بما كان؟، والمخاطبون ابتداء بهذا القرآن كان الماء النازل من السحائب، وفي صورته المباشرة، مادة حياتهم، وموضع احتفالهم، والحديث الذي يهز نفوسهم، وقد خلدته قصائدهم وأشعارهم .. ولم تنقص قيمة الماء بتقدم الإنسان الحضاري بل لعلها تضاعفت.
والذين يشتغلون بالعلم ويحاولون تفسير نشأة الماء الأولى أشد شعورا بقيمة هذا الحدث من سواهم. فهو مادة اهتمام للبدائي في الصحراء وللعالم المشتغل بالأبحاث سواء «1».
أشرنا في كتاب سابق «2» إلى دور استخدامات البوليمرات في معالجة التصحر، ولا يخفى على أحد دور الماء أيضا ضمن هذه الاستخدامات بالإضافة إلى طرق أخرى كلها يدخل بها الماء. ولا أعتقد أني سآتي بجديد إذا ما قلت أن الماء هو العنصر الذي تتوقف الحياة فعلا بدونه حديثها وقديمها. ولو لاحظنا الآية المباركة كيف تسلسلت في الماء واستخداماته:
الماء الذي تشربون: هذا الماء الذي لا غنى لكم عنه.
أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون: السحب والمطر (علمه وفوائده وتفاعلاته مع التربة وعملية الإنبات) لو نشاء جعلناه أجاجا: عملية تحويل الماء النافع إلى ماء ضار لا فائدة منه في أي مضمار أو استخدام.
فلو لا تشكرون: وجوب الشكر على هذه النعمة العظيمة (قانون إلهي أثبتت صحته موجات الجفاف التي تعصف بالأرض الآن).
وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلما قرأ هذه الآية أو يشرب الماء يقول (الحمد للّه الذي جعله عذبا فراتا برحمته ولم يجعله أجاجا بذنوبنا) «1».
لاحظ أن اللّه تعالى قد خص المطر كمصدر لهذا الماء بأن يجعله مالحا ولم يذكر الماء الجوفي فلو قدر اللّه أن يتبخر الملح مع الماء أو يتسامى كما في حالة النفثالين لأمكن تخيل أن جميع المياه السطحية والجوفية تصبح مالحة مثل ماء البحر وبالتالي لا تقوم حياة بشرية أو حيوانية. وقد ثبت أن العملية الكهروكيميائية المصاحبة لنزول المطر والتي شرحنا بعض تفاصيلها في كتاب السحب وكذلك ما يحصل من تفريغ كهربي بالبرق، كل ذلك يكون بتفاعل نسبة نتروجين معينة تؤدي إلى التأثير على حصول الخصائص الكيميائية للماء بأن يكون لا قاعديا ولا حامضيا مستساغا حلوا طيبا، أما إذا زيدت هذه النسبة فسيؤدي إلى حصول قاعدية معينة أو حامضية معينة للماء بما يجعله مجامرا غير مستساغ. فتدبر أخي الكريم قوله تعالى: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (70)، (الواقعة: 70)، والأجاج هو البالغ المرارة، أي لو يشاء اللّه تعالى أن يغير تلك النسب ليجعل المطر مرا غير مستساغ، ولكم أن تتخيلوا النتائج!!.


مطر- دورة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع