كلمات ربيعية (خواطر وأفكار)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
21/10/2022 القراءات: 1177
هذه كلماتٌ كتبتها في هذا الشهر: ربيع الأول. والظرفية تعني أمرين.
***
الصلاة على رسول الله:
روى عبدالرزاق في «المصنَّف» (2/ 499) عن عامر بن ربيعة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صلى عليَّ صلاة صلى اللهُ عليه عشرًا، فأكثروا أو أقلوا".
وأقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد صلاة تقبلُ بها الأعمال، وتحققُ بها الآمال، وتُصلح بها البال. وعلى آله وصحبه، وسلِّمْ تسليمًا كثيرًا.
***
في خضم (الصراع) على الاحتفال بالمولد النبوي جوازًا وعدمَ جواز، رأيتُ فاضلًا يقول: هل الاحتفال علمه رسولُ الله أم جهله؟ وإذا جهله....
اقشعرَّ بدني من هذا الأسلوب، ومن هذه الكلمات!
يا قوم
ما هكذا يكون الجدل، ولا النقاش.
أين التوقير للجناب النبوي؟
لا أناقش في القناعات، ولكن ما هكذا يُقال.
***
حين يتفاقم الصراع بين طرفين، يُصبحُ الهدف إثبات الذات، لا نصرة رأيٍ رأينا أنه هو الأصوب.
وفي غمرة الاقتتال لإثبات أمرٍ مختلفٍ فيه أو نفيه، تُنسى طرقُ الاستدلال المقبولة، ويعلو صوتُ التعصب والتصلب والتهريج والجهل.
وربما أراد معتدلٌ منصفٌ متوسطٌ أن يقول كلمة، ثم أحجم حتى لا يُحسب على طرف، ويُحمّل -مِن غير أنْ يَحمل- جميعَ ممارسات ذلك الطرف وتصرفاته التي يختلط فيها الخطأ بالصواب، وربما الحق بالباطل.
ولهذا فما أظنُّ مَن أوى إلى ظل الصمت بملوم.
هناك مَن تجاهل كل هذا الضجيج البريء والمفتعل والمبالغ فيه، وانسحب إلى زاويةٍ يراجعُ فيها نفسه ويسألها عن مقدار قيامه بالمتفق عليه من سنن النبي صلى الله عليه وسلم وهديه الأنور، ويصلي ويسلم عليه راجيًا أن تناله شفاعته، ويُدرج في محبيه.
أصواتُ الاختلاف والكراهية والشتائم حجبتْ أصوات الوحدة والمحبة والأدب.
وهكذا تمر الأيام والأعوام، والكثيرون يقضونها في انتهاز أي فرصة لشغل الناس بما لا ثمرة فيه، ولا عائدة خير منه.
وبعد: فليت هذا الحرص البالغ الشديد على أمر مختلف فيه يكون في أمرٍ متفقٍ عليه، ولكن لا منطق للغلو، ولا عقل مع إرادة العلو، ولا علم مع مغالبةٍ ومباطشةٍ ولهو.
وعلى الضفة الأخرى هناك مَن تملأ الفرحة أقطار نفسه وهو يرى الناس يدهمهم السيلُ وهم يمعنون في جدلٍ يحجب رؤية سبل النجاة.
***
تأملوا هذا الخبر:
قال المأمون أو الأمين ابنا هارون الرشيد للإمام مالك حين سمعا عليه (الموطأ) في بيته في المدينة المنورة: يا أبا عبدالله أتأمرُني أن أكتبه بماء الذهب؟
فقال له الإمام مالك: لا تكتبه بماء الذهب، ولكن اعمل بما فيه.
ما أشد حاجتنا إلى الاهتمام باللباب، وعدم الانسياق وراء المظاهر!
***
رأيتُ في بعض المواقع احتفالًا بمولد إحدى سيدات بيت النبوة رضي الله عنها.
وعلى هذا فمن المتوقع أن يكون هناك احتفالٌ بمولد آخرين من القرابة والصحابة، كالخلفاء الراشدين، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، وهكذا.
والحقيقة أنَّ الواقف على هدي السلف لا يجد لهذا كله موضعًا من اهتمامهم، لا ذكرى الولادة، ولا ذكرى الوفاة.
ولا تلازمَ بين الحب وبين هذه الاحتفالات إطلاقًا.
بل يُخشى أن يُكتفى بهذه الفعاليات عن الاقتداء الحقيقي.
كما يُخشى أن تُستغل لتلميع وجوه، وتثبيت مدَّعيات.
وقولي هذا كلام باحث، لا كلام مفت، فلا يُحمل ما ليس يحتمل.
***
جاء في "النبلاء" (4/42): "قال محمد بن سيرين: قلت لعَبيدة بن عمرو: إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من قبل أنس بن مالك، فقال: لأن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض.
فقال الذهبي معلقًا:
هذا القول من عَبيدة هو معيار كمال الحب، وهو أن يؤثر شعرة نبوية على كل ذهب وفضة بأيدي الناس، ومثل هذا يقوله هذا الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين سنة، فما الذي نقوله نحن في وقتنا لو وجدنا بعض شعره بإسناد ثابت، أو شسع نعل كان له، أو قلامة ظفر، أو شقفة من إناء شرب فيه؟ فلو بذل الغني معظم أمواله في تحصيل شيء من ذلك عنده، أكنت تعده مبذرًا او سفيهًا؟ كلا. فابذل مالك في زورة مسجده الذي بنى فيه بيده والسلام عليه عند حجرته في بلده، والتذ بالنظر إلى أُحُده وأحبّه، فقد كان نبيك صلى الله عيله وسلم يحبه، وتملأ بالحلول في روضته ومقعده، فلن تكون مؤمنًا حتى يكون هذا السيد أحب إليك من نفسك وولدك وأموالك والناس كلهم.
وقبل حجرًا مكرمًا نزل من الجنة، وضع فمك لاثمًا مكانًا قبّله سيد البشر بيقين، فهنأك الله بما أعطاك، فما فوق ذلك مفخر.
ولو ظفرنا بالمحجن الذي أشار به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحجر ثم قبل محجنه، لحق لنا أن نزدحمَ على ذلك المحجن بالتقبيل والتبجيل.
ونحن ندري بالضرورة أنَّ تقبيل الحجر أرفعُ وأفضلُ من تقبيل محجنه ونعله".
***
يشيع الغناءُ في هذا العصر شيوعًا مفرطًا.
الأطفال -مثلا- يُربون بالغناء (تكفلتْ بذلك قنواتٌ على مدار الساعة).
والمربون يربون مريديهم بالغناء في المساجد والزوايا والتكايا.
وكادت احتفالات المولد تقتصر على فرق النشيد.
هذا غناء ديني!
أمّا الغناء الآخر فأنتم ترون المسارح والملاعب والفنادق كيف تضج به...وكيف يُعظم أصحابه وأربابه حتى لو كانوا مدمني مخدرات (.... أنموذجًا).
فما هي آثارُ هذا الإفراط على عقل الإنسان وقلبه ونفسه؟
***
التصوير والتصدير والتكدير:
من الظواهر السارية في الناس تصوير أنفسهم وبيوتهم ومطاعمهم ومشاربهم ومناسباتهم وعباداتهم، بدوافع متعددة ليس من غرضي الدخول في تفاصيلها.
والإنسان حرٌّ في تصرفاته، وعليه أن يتحمل مسؤوليتها.
إنما الأمر المستهجن الممجوج أن تدخل بيت إنسان -قريب أو غريب- فتصور البيت، أو ما استطعتَ منه، أو مائدة الطعام، من غير استئذان، وقد يأذن صاحب البيت حياء.
هذا الأمر ممنوع شرعًا وعقلًا وذوقًا.
ولا ينبغي أن تكافئ شخصًا دعاك إلى منزله أو استقبلك فيه أنْ تخونه بتصوير خصوصياته، ونشرها في الناس.
ولهذا ذهب بعض الأساتذة إلى جمع الأجهزة النقالة مِن كل من يزوره، وحفظها في صندوق إلى حين الخروج، وهذا شرطه في الزيارة.
المجالس بالأمانات، فيجب حفظ تلك الأمانات حديثًا وصورًا وخصائص.
ربيع الأول. المولد. الحب النبوي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
صلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وآله ورزقنا حبَه والاقتداء بسنته وأدبه.