الأمطار ودورتها (الجزء الأول)
د. أسماء صالح العامر | Asma saleh Al amer
17/12/2023 القراءات: 494
يثير الشعاع الحراري للشمس تبخر الماء في المحيطات. وكل السطوح الأرضية أو المشبعة بالماء. يتصاعد منها بخار الماء بهذا الشكل نحو الجو ويشكل سحبا عن طريق تكاثفه عندئذ تدخل الرياح لتؤدي دورها في نقل السحب بعد تشكلها إلى مسافات متنوعة. وقد تختفي السحب دون أن تعطي مطرا، كما يمكن أن تلتقي كتل السحب مع كتل أخرى لتعطي بذلك سحبا ذات كثافة كبرى. وقد تتجزأ لتعطي مطرا في مرحلة من تطورها، وسرعان ما تتم الدورة بوصول المطر إلى البحار (التي تشكل 70 خ من سطوح الكرة الأرضية). أما المطر الذي يصل إلى الأرض فقد يمتص جزئيا بواسطة النباتات مساهما في نموها، وهذه بدورها تقوم من خلال ترشحها بإعطاء جزء من الماء إلى الجو، أما الجزء الآخر فإنه يتسلل بمقدار قد يقل أو يكثر إلى التربة ليتجه نحو المحيطات عبر مجاري الماء، أو قد يتسرب في التربة ليعود نحو الشبكة السطحية، عن طريق الينابيع أو الأماكن الأخرى التي يخرج منها الماء إلى السطح، وبمقارنة معطيات علم الهيدرولوجيا الحديث بتلك التي نجدها في كثير من الآيات القرآنية المذكورة في هذه الفقرة، سنلاحظ وجود توافق رائع بين الاثنين «1».
يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (21)، (الزمر: 21). أين ما تجد اللفظ القرآني (ألم تر)، (ألم تروا)، (أو لم ينظروا)، فإنها دعوة لنا للتأمل والتدبر بخلق اللّه تعالى. وهذه الآية تقسم لنا أنواع المياه من نزولها كأمطار إلى تشكل الينابيع والأنهار والعيون أو المياه الجوفية، والتي من كل تلك الأنواع يكون الزرع والغذاء للناس والدواب.
ولنتدبر أيضا بعض الآيات الأخرى التي وإن ذكرنا بعضها من وجهة نظر السحب والرياح في الكتاب السابق إلا أننا سنتطرق لتفاصيلها هنا من وجهة نظر تشكل المطر وأنواع المياه وبشكل مختصر.
يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ويُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ ويَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43)، (النور: 43) ... اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ ... ، (الروم: 48) ...
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (22)، (الحجر: 22) ... وجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (27)، (المرسلات: 27) ... وأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا ونَباتاً (15) وجَنَّاتٍ أَلْفافاً (16)، (النبأ: 14 - 16).
من الآيات الكريمة نخرج بالمفاهيم الآتية عن الأمطار:
1 - النوع الأول من السحب هو النوع الركامي الذي يشبه الجبال. وهذا النوع الركامي ينزل منه المطر وبعض البرد. ويصحب عمليات نزول البرد والمطر برق خاطف للبصر.
2 - النوع الثاني من السحب هو النوع (البساطي) والرياح لها دور رئيسي في تشكيله على هيئة تنزل مطرا فيما بعد.
3 - إن الرياح لواقح للسحب ويتوقف نزول المطر على هذا التلقيح.
4 - لا يستطيع البشر تخزين ماء المطر مهما كانت قدراتهم ومهاراتهم لأن كل دقيقة تتبخر ملايين الأطنان من بحار ومحيطات القشرة الأرضية كما يذكر لنا أهل الأنواء والسحب.
5 - أن (المطر التضاريسي) ينزل بتسخير اللّه للجبال الشاهقة التي تعمل على تبريد السحب وإنزال المطر.
6 - إن ماء المطر ينزل دفعة نتيجة العصر المتكرر للسحاب.
فيما يتعلق بالنقطة الأولى فقد أثبت العلم الحديث أن السحب الركامية هي النوع الوحيد الذي ينتج البرد ويبدأ تكوينها على شكل دقائق بخار دقيقة تدفعها الرياح فتتآلف مع بعضها البعض ويتشكل من ذلك كتلة كالجبل قمته إلى أعلى حيث يتكون عندها البرد في شكل حبات صغيرة مؤلفة من دقائق بخار الماء وأثناء تكون أغلفة حبة البرد تهبط إلى قاعدة السحب الجبلية الدفيئة نسبيا فتذوب بعض أغلفتها وينزل المطر وتعاود حبة البرد الهبوط والنزول حتى تصبح في حجم (جوز الهند) .. وينتج البرق من التفريغات الكهربائية بين الأجزاء العليا للسحب الركامية والأجزاء السفلى ويصاحب هذه التفريغات انطلاق شرارات باهرة الضوء تصيب الطيارين، بما يسمى بالعمى المؤقت.
أما بالنسبة للنقطة الثانية فقد أثبت العلم الحديث أن الرياح لا تنقل السحاب من مكان إلى آخر فحسب بل تحركه وتهيج أصله؛ فهي تعمل على تحويل بخار الماء الغازي غير المرئي بعد بسطه إلى سحاب يتكثف ويصير مرئيا بالعين المجردة .. وحول النقطة الثالثة فقد كانت الفكرة السائدة هو أن بخار الماء حينما يبرد ويتكثف ينزل المطر ... ولقد أثبت العلم الحديث أن الرياح تحمل نوبات أو ذرات من تراب الشهب السماوي الموجودة في طبقات الجو العليا وتدخل بها في السحب فتتكثف ذرات الماء حول هذه النوبات الترابية وتكبر في الحجم وتنزل على شكل مطر.
أما فيما يخص النقطة الرابعة فقد أثبت العلم الحديث أن ماء المطر ليس مخزونا في مكان معين ولكنه دورة بين السماء والأرض حيث تقوم أشعة الشمس بتبخير بعض ماء البحار والمحيطات وتحوله إلى بخار تحمله الرياح إلى مناطق إثارة السحب وتلقيحها. لقد أثبتت البحوث العلمية أن ملايين الأطنان من الماء تتبخر من بحار الأرض خلال الدقيقة الواحدة، وهذا ما لا يمكن خزنه أبدا مهما بلغ الإنسان من تقنيات، فضلا عن أن تخزين الماء في البحار والمحيطات يمنعه من التعفن الذي يهلك الحياة على سطح الأرض. كذلك فإن تخزينه في جوف الأرض فوق طبقة صخرية ولو لا هذا التخزين فإن كمية الماء في باطن الأرض قادرة على إغراق كل شيء على سطح المعمورة .. وحول النقطة الخامسة فإن الجبال الشاهقة تكون بمثابة (مصيدة للأمطار)
الأمطار
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة