شخصية الفتوة بين المورث الشعبي والمونولوج الدرامي في السينما
ياسر جابر الجمال | Yasser gaber elgammal
19/02/2024 القراءات: 544
شَكّلتْ فكرة الفتوة قدرًا كبيرًا في الوجدان المصري عبر مورثاته الشعبية على مدار السنين، هو ذلك الشاب مفتول العضلات، عريض المنكبين، يتسم بالشجاعة والإقدام، والقدرة على المجابهة والتصدي للمعتدي، هذه بعض الملامح الجسدية والنفسية للفتوة، كما أنه لديه القدرة على نجدة الملهوف ومساعدة الضعيف، ودائما ينحاز إلى الضعفاء والمساكين، هذا على الجانب المشرق.. أما الجانب المظلم فهو يجمع الإتاوات ويستغل نفوذه على من حوله، وهو يمثل تعبيرا عن الحكومة الرسمية من خلال حكومة الظل .
ومن ذلك يمكننا القول بأن من " وظائف دراسات المأثور الشعبى إلقاء الضوء على المراحل التاريخية السابقة من حياة الثقافة والمجتمع، حيث إن دراسة الفولكلور للتاريخ الثقافي لمجتمع من المجتمعات هي المدخل والمقدمة التي لا غنى عنها فى فهم الثقافة الحالية والبناء الاجتماعي القائم، كذلك البعد الزماني لتطور ثقافة المجتمعات وأبعاد أخرى كالبعد النفسي ومدى تأثره بعوامل التطور والتغيرات الفردية التى تؤثر فى الجماعة الشعبية فيه فيرى المراحل التي اجتازتها الأشكال الثقافية والاجتماعية الماثلة أمامه، ومن خلاله يفهم مدلولات كثير من الممارسات والمواقف والعلاقات والعمليات فإن دراسة الفولكلور- خاصة في الجانب التاريخي منها - هي أكبر عون يمكن أن يساعد دارس الثقافة والمجتمع"
بدأت فكرة الفتوة أو العايق أو الفهلوي مع انتهاء العهد المملوكي، وكان الفتوة يتمركز في مناطق متعددة من أحياء القاهرة، بخلاف صعيد مصر والأماكن التي تسيطر عليها القَبلية، وظاهرة العُمَد، ففي حواري القاهرة هناك فتوات، كفتوة بولاق، وفتوة السيدة، وفتوة القلعة، وفتوة الحسينية، وباب الخلق وغير ذلك... كانت تشمل الرجال والنساء، وليست مقتصرة على الرجال فقط .
إن عوامل وجود الفتوة بالقاهرة تختلف عن عوامل أماكن أخرى – عوامل وجود الفتوة - كالصعيد أو أماكن القبائل التي تستخدم نفوذها بديلا للدفاع عن أتباعها ولا حاجة للفتوة، وهذه النقطة المحورية في وجود فتوات في القاهرة دون غيرها .
من خلال تتبع ظاهرة الفتونة يظهر لنا أن بين هؤلاء الفتوات قواعد وضوابط تنظم العمل فيما بينهم، كما كانت بينهم عداوات وخصومات، ويوجد بينهم مصاهرات وعلاقات أُسَرية، وهو ما يمكن أن نطلق عليه ( قوانين الفتونة ).
هذا الفتوة لابد أن يكون معترفًا به من الملك، ويحصل على ذلك من خلال خوض معركة مع فتوة أخر وينتصر عليه .
كما في علاقة الفتوة بخصومه فإن هناك شيئا واحدا هو الذي يفصل في النزاعات بين هؤلاء المتخاصمين، وهو السلاح في تلك المعركة، إنها الشومة أو النّبُّوت التي يسجل بها الفتوة تاريخا من البطولة والمعارك والمقاومة على امتداد مسيرته .
فالنّبُّوت – الشومة أو العصاية – لها تاريخ محفور في الذاكرة المصرية؛ فقد كانت تعبر عن الرجولة والفحولة، وهي الصديق في وقت الكِبَر وتقهقر العمر، وهي زينة في يد الشباب المتطلع إلى الفتوة أو لمن يريد أن يكون له دور في المستقبل .
كثير من القصص والحكايات ارتبطت بالشومة – النّبُّوت – العصاية – في العقل المصري، فحولها تُنسَج القصص والحكاوي والأساطير التي يقصها الأجداد على الأحفاد، ويتسامر بها الأطفال، ويحفظونها عن ظهر القلب، فقد بلغت مبلغًا كبيرًا حتى أصحبت من الثوابت في الفلكور الشعبي المصري، وأصبح النّبُّوت من ميراث الأجداد جيلا بعد جيل كما في عصاية "عاشور الناجي"، وبعضهم يطلق عليها اسمًا مثل " الحاجة ".
هذه بعض الأفكار المتعلقة بالشومة من الناحية الفلسفية وأبعادها الدلالية في التراث الشعبي المصري، وما يعنينا هنا هو علاقة الشومة بالفتوة، فهي زراعه اليُمنى التي يؤدب بها ويحمي بها في ذات الوقت.
وإذا نظرنا إلى الفتوة في الأعمال الدرامية، فإننا نجد أن فكرة الفتوة بدأت في السينما حتى قبل كتابات " نجيب محفوظ " الأدبية التي لاقت حضورا كبيرا؛ فقد غاص في حواري القاهرة، وبدأ يخرج مكنوناتها أو ما يمكن أن نطلق عليه أحشائها الداخلية، وأخذ في التركيز على صفات الشعب المصري، ومنها شخصية الفتوة وملامحه الجسدية والخُلُقيَّة، وما يتمتع به من صفات تؤهله لذلك، ومن ذلك (الثلاثية )، وسيرة "عاشور الناجي" في (الحرافيش )، (فتوات الحسينية)،( الشيطان يعظ ).
عرضت السينما المصرية الفتوة في أعمال عديدة منها فيلم ( الفتوة ) لـ"فريد شوقي"، و"زكي رستم"، و"توفيق الدقن"، و"تحية كاريوكا"، وتم اختيار "فريد شوقي" لصفات معينة كان يتمتع بها، بخلاف "رشدي أباظه"، فقد وصفته السيده "تحية كاريوكا" بأنه ( تلح ) يعني منسبك عليه الدور، وفي هذا الفيلم بدأ دور الفتوة من الضعف ثم القوة ثم التحول المريع الذي حدث لـ"فريد شوقي" من التخلي عن القضايا التي كان يعاني منها كالظلم والفقر، ونصرة الضعفاء .
وفيلم (فتوات الحسينية ) لـ"فريد شوقي" .
كما يعد "نور الشريف" من أكثر مَن قدم دور الفتوة، وذلك من خلال فيلم (المطارد) الذي يصور لنا سيرة "عاشور الناجي" وسيرته في الفتوة، وماكان يتمتع به من العدل ونصرة الضعفاء والفقراء، وأنه كان يعمل بنفسه، ويجمع الإتاوات من الأغنياء من أجل الفقراء، وهكذا أصبح حفيده "سماحة الناجي" .
كذلك نجد فيلم (الشيطان يعظ )، لـ"نور الشريف" و"فريد شوقي" و"عادل أدهم "، فيه ظهر جليًا الصراع بين الفتوات. وفيلم ( فتوات بولاق ) وفيه ظهر موقفا مُهِما عندما قاتل أحد رجال البوليس الفتوة الجديد، وتغلب عليه، وأصبح القانون هو الفتوة، فلم يقتنع "فريد شوقي" بذلك، وقال مقولته الخالدة ( القانون فتوة خايب ). وفي مسلسل ( الحرافيش ) أي سيرة "عاشور الناجي" في ثلاثة أجزاء .
كما قدم "محمود ياسين" (الحرافيش )، وقدم "محمود عبدالعزيز " (الجوع ).
وقدم "أحمد ذكي" (سعد اليتيم )، وغيرهم الكثير من الأعمال الدرامية... ومن ذلك فإن فكرة الفتوة حاضرة وبصورة كبيرة في المورث الشعبي والمونولوج الدرامي، كما أنها كانت ترمز إلى قضايا متعددة، فالشعب المصري متأثر بصورة كبيرة بقضية الفتوة، فهو دائمًا يعظم الفتوات ويعتبرهم أصحاب قدرات خارقة،
شخصية الفتوة بين المورث الشعبي والمونولوج الدرامي في السينما
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع