مدونة د. نكتل يوسف محسن


المقال الأول في عمود صحابة في الظل

د. نكتل يوسف محسن | Dr. Naktal yousif mohsen


23/01/2024 القراءات: 144  



تولدت فكرة موضوع " صحابة في الظل " بسبب اهتمام الباحثين بشخصيات معينة من الصحابة مثل الخلفاء الراشدين وخالد وسعد وأبي عبيدة والقعقاع وغيرهم (رضي الله عنهم) قياساً بغيرهم من الصحابة خلال القرن الأول الهجري ، فأردنا أن نسلط الضوء على هذه الفئة ومعرفة جوانب من حياتهم ومهارتهم لنتعرف عليهم ونقف على إنجازاتهم .
شخصيتنا في هذا العدد فارس مقدام له في ميدان الحرب صولات وجولات ، وعالم جليل له في محاريب العلم أخبار وآثار ، ومع هذا نجد الكتب قد أقلت وأحجمت عن الحديث عنه ، وما ذكرت إلا النزر اليسير الذي لا يغني من جوع ولا يروي من ظمأ .
سلمان بن ربيعة بن يزيد الباهلي وكنيته أبو سليمان ، لقب بسلمان الخيل لشجاعته وإقدامه ودرايته بالخيل رضي الله عنه ، إذ أن تشكيل الخيالة في الجيش آنذاك يعتبر من أبرز عوامل التفوق في الحروب ، ولا يمكن أن تعطى هذه القيادة إلا لفارس له ما يؤهله لتوليه هذه الإمرة وكان سلمان أهلا لذلك ، وسلمان من صغار الصحابة ذكره المزي في الصحابة في تهذيب الكمال ، وكذا البخاري في التاريخ ، وابن عبد البر وأبو حاتم والعقيلي في جملة الصحابة ، فضلاً عن هذا ما ذكره ابن حجر قائلاً : ((وقد ذكرنا غير مرّة أنهم ما كانوا يؤمّرون في الفتوح إلا الصحابة)) ، ما يرجح من دون شك أن يكون من الصحابة .
يلف الغموظ والعتمة بدايات حياة الفاتح سلمان بن ربيعه الباهلي ، إذ لم أجد ما يفصح عن طبيعة حياته قبل الإسلام ، وكل ما وجدته إسلام قبيلته بعد فتح مكة 8هــ ، أما قبيلته بأهلة المضرية فقد سكنت اليمامة من أرض نجد ، وقد أرسلت باهلة أحد أفرادها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتعلم شرائع الإسلام فأعطاه النبي كتاباً يحوي شرائع الإسلام ، مما يعبر عن النية الصادقة في للدخول في الإسلام والالتزام به .
نشأ سلمان بن ربيعة رضي الله عنه في بيئة الجزيرة العربية وطبيعتها الصحراوية ، فتعلم فيها الفروسية فكان سلمان الخيل بحق ، وبرز في تمييز الخيل الأصيلة عن الهجينة ، لذا فقد أستعان به عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الفتوحات لتحقيق هذه الغاية ، وقد عُرف عنه الشجاعة والإقدام فكان أول الأسنة ذا ما الحرب شبت ، ويذكر أنه أبصر في القادسية أناساً من الأعاجم تحت راية لهم، قد حفروا لها وجلسوا تحتها، وقالوا: لا نبرح حتى نموت، فحمل عليهم، فقتل من كان تحتها، وسلبهم، وكان سلمان فارس الناس يوم القادسية ، وقال عن نفسه : (( قتلت بسيفي هذا مائة مُستلئم - أي : لبس لَأْمَةَ الحربِ - كلهم يعبد غير الله ، وما قتلت رجلاً منهم صبراً )) ، فحيا الله السيف وحيا حامله .
كما عرف عنه النجدة للمسلمين ضد عدوهم ، ذكر أن الروم أجلبوا على المسلمين في الشام ، فبعثه الوليد في ثمانية آلاف ومضوا إلى الشام ودخلوا أرض الروم ، فشنوا عليهم الغارات واستفتحوا الحصون .
ومع شجاعته وشدة بأسه فقد اتصف بالحلم والأناة ، وهي من صفات المؤمن إذ لم يكن يغضب لنفسه وكان يقول هذا من أمر الجاهلية ،كما اتصف سلمان بن ربيعة رضي الله عنه بالتقوى وقوة الإيمان وملازمة العبادات ، وكان يحج سنة ويغزو سنة ، وهو فوق هذا دائم الصيام حتى في الغزوات وفترات الحصار ، مما استدعى أن يرسل إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يأمره أن ؛ يفطر وهو محاصر ، لأن ذلك قد يؤثر على القوة البدنية اللازمة لإحراز النصر .
فضلاً عن ذلك فقد اتصف سلمان بالنزاهة والورع والعدالة وهذا ما دفع كبار الصحابة لأختيار الفاتح الشاب ، لتقسيم غنائم المعارك في الفتوحات الإسلامية كالقادسية وجلولاء، بالرغم من وجود كبار الصحابة أمثال سعد بن أبي وقاص وعمرو بن معد يكرب وأمثالهما، وصارت قسمة الغنائم فيما بعد لسلمان بن ربيعة، وهذه من الأدلة الصريحة على ورعه ونزاهته رضي الله عنه .
كما ذكرت المصادر أنه أعرج وهو أمراُ يثير الاستغراب بسبب المهام القيادية التي نفذها سلمان والتي تتطلب منه سرعة ومرونة في الحركة ، كما أن أنفراد الجاحظ بهذا الخبر يثير الشكوك في إمكانية قبولها .
يغطي الكسوف معظم تفاصيل حياة الفاتح سلمان بن ربيعة الباهلي ، وتقدم لنا المرويات والنصوص التاريخية نزراً يسيراً عنه وعن أسرته وطبيعة معيشته ومكان سكنه ، وهو أمراُ لا يتوازى مع حجم المردود الإيجابي الذي قدمه هذا الفاتح العظيم للإسلام والمسلمين ، والمناطق الصعبة التي حارب فيها وتمكن من فتحها ، وفي الوقت نفسه يعكس هذا الأمر حالة من حالات انشغال المؤرخين وكُتاب التراجم والسير بالحدث الأكبر للصحابة والفاتحين والمشاهير إنجازاتهم العسكرية والإدارية على حساب الحدث الأصغر وهو حياتهم الأسرية وعدد أبنائهم وطبيعية تعاملهم معهم ، فلا يذكروهم إلا بقدر تعلقهم بموقف ما ، وهي من الأمور الطبيعية في التدوين التاريخي ، ومع هذا فإن كان سلمان بن ربيعة الباهلي قد ذكر عن حياته الأسرية شيئاً بسيط يتمثل بذكر ولديه سليمان وعبد الله ، فإن من الصحابة من لم يذكر سوى اسمه.
ومهما يكن من أمر فإن هذا الكسوف المؤقت يوشك أن ينجلي ، وإن شمس الظهيرة ستبدوا ظاهرة للعيان ، على يد هذا الفاتح العظيم الذي سيرفع ذكر قبيلته باهلة فضلاً عن ذكر أسرته .
كان أول سكنى سلمان بن ربيعة ، في منازل باهلة في اليمامة ، ولم يذكر شيء عن دارهم في اليمامة ولا عن طبيعته ، وأكثر تركيز أهل الأخبار كان منصباً على داره التي في الكوفة ، والتي تحول إليها بعد تحرير العراق ، واستقرار الوضع وحسمه لصالح المسلمين ، إذ كان سلمان بن ربيعة ضمن الموجات البشرية التي هاجرت من الجزيرة العربية واستقرت في العراق، والتي لم يلائمها السكن في الحواضر ، كالمدائن وغيرها بسبب طبيعة المدن وانتشار البعوض فضلاً عن الوخم .
تولى سلمان بن ربيعة رضي الله عنه بعض المهام القيادية وكانت له أراء فقهية لعل من أبرزها قسمته الغنائم في الغزوات كما في القادسية وجلولاء ، وتوليه القضاء في العراق، كما كان قائماً على خيل الجهاد يتابعها ويحرص على سلامتها


صحابة - المجتمع - النبي - غزوات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع