مدونة .. أ. د. خالد عبد القادر منصور التومي


شهر رمضان وحالة غزة حاضرة

أ.د. خالد عبد القادر منصور التومي | Prof. Dr. Khaled A. Mansur Tumi


18/03/2024 القراءات: 866  


شهر رمضان وحالة غزة حاضرة

صيام شهر رمضان مصدر قوة روحية تدفع إلى العمل، واعتقاد المؤمن أنه يؤدي عبادة فرضها الخالق مِما يمدهُ بالروح الفتية والعزيمة القوية؛ لذلك كانت شهور رمضان فيما مضى للمسلمين أيام نصر حربي وفوز نضالي مهيب؛ ففي مواسم هذا الشهر الكريم تحققت انتصارات إسلامية رائعة تبتدئ بمعركة بدر مرورًا بمعارك كثيرة، أشهرها فتح مكة والأندلس وحطين وعين جالوت حتى جاء نصر الله وتم العبور في شهر رمضان، لذلك كان هذا الشهر يحفل على مد العصور بكُبريات الوقائع الحربية الحاسمة في تاريخ الاسلام؛ ومن يتصفح كُتب التاريخ أو يُقلب أوراقه تبرز أمامه صورة مشرفة لشهرٍ عظيم، صورة غابت عن الأعين لفترة حتى أصبح من الصعب على العقل أن يتصورها بعد أن بعدت الشقة بينه وبين مثيلاتها منذ فترة طويلة، تلك هي الصورة المشرقة التي اتسمت بالعزة والكرامة والسؤدد والبسالة والانتصارات والفتوحات والتقوى والمغفرة، فالأمر لا يحتاج من الناظر إلى التدقيق والإمعان في كُتب التاريخ حتى يصل إلى صورةٍ مُتلألئة، بل يكفيه التصفح السريع أو النظرة العاجلة؛ ليُدرك ما في هذا الشهر الكريم من الأحداث والبطولات التي نعلمها والتي لا نعلمها والتي تتسم بأنها أحداث عظيمة على قدر فضل شهر رمضان، فإذا قلنا أن شهر رمضان شهر الجهاد فهو قول يحمل مصداقهُ التاريخي الإسلامي المُضِيء دون جدال.

وإن قال قائلٌ بأن شهر رمضان يُعد من الأشهر الحُرم التي حرم الله فيها القتل والأقتتال، وفنُجيب نعم، وكُل مسلم لأمر الله يمتثل وعند حدوده يقف، وإنما لتعلم أن الله أحل القتال للذين ظلموا من باب الدفاع عن النفس والعِرض والوطن، وذلك طبقًا لِما ورد في قول الله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (الحج-39)، وما كان لهذا الأذن إلا أن يُبين السببية التي تُحل هذا الأذن، وذلك طبقًا لِما ورد في قول الله تعالى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ (الحج-40).

ولنا في شهرنا الكريم "رمضان" هذا خير دليل، لِما هو واقع عيانًا في "غزة" مدينة الصمود، ففي هذه الأيام لا نصيب لـ "رمضان" مِما فات، فقط لأن سلطان الإسلام لم يعد موجود، فها هو شهر رمضان حِلٌ بين المسلمين والأمة تنزف في مواطن كثيرة، فهذا جرح فلسطين الغائر "غزة الصمود" وذاك ثاني جُرحٍ في الشيشان نزف، وجُرحٍ ثالث في كشمير سبق، ورابع جُرحٍ في جنوب الفلبين أفِل، وخامس جُرحٍ في بورما فات، وما يبرح أن ينزف جُرحٍ جديد حتى يلحق به جُرحٍ أخر.

ومن الذاكرة؛ خلال رمضان كان الغزو الأمريكي على أفغانستان، ولما تعالت بعض الأصوات لتقول لأمريكا بأن رمضان قادم ويجب أن تُراعى حرمته؛ فلا تغزو المسلمين، قال "بوش الأبن" وقتها مُتبجحًا إن الدولة الإسلامية كانت تخوض المعارك في شهر رمضان "صدق وهو كذوب" ثم يأتي بعدهُ رمضان آخر ليشهد شلالاً من الدماء في بلد آخر بلاد الرافدين "العراق" لتتكرر نفس المشاهد، ولكن مع تغير الوجوه فقط، قتلٌ وتدمير وتفتيت لأجساد الأطفال والنساء والشيوخ لنرى فيها أنواع القنابل العنقودية والتفريغية والذكية والتقليدية وغيرها من المسميات.

وعلى واقع دماء اليوم التي ما زالت تسيل، أعود لأذكر بدماء زكية طاهرة سالت بالأمس البعيد القريب، وكلها في شهر رمضان الكريم، إلا أن هذه السيول آلت إلى العز والكرامة والتمكين، بيد أن شهر رمضان شهر الجهاد لمن أذن الله لهُم برد الظلم، ومن الغزوات والمعارك الهامة التي حصلت في تاريخ المسلمين في شهر رمضان الكريم، ومنها ما نأتي على سرده تباعًا:
1. غزوة بدر: في 17 رمضان 2هـ، وهي أولى غزوات النبي صلى الله عليه وسلم.
2. فتح مكة: في 20 رمضان 8هـ، تحقق أكبر فتح للمسلمين في المعقل الأكبر للشرك آنئذ.
3. غزوة تبوك: في شهري رجب ورمضان 9هـ، كان خروجه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في رجب، واستغرقت هذه الغزوة خمسين يومًا أقام منها عشرين يومًا في تبوك.
4. فتح البويب: في 12 رمضان 13هـ، معركة حاسمة دارت رحاها بين المسلمين والفُرس.
5. فتح النوبه: في رمضان 31هـ، أرسل عمرو بن العاص حملة عسكرية بقيادة عقبة بن نافع لفتح بلاد النوبة التي تقع في جنوب مصر.
6. فتح بلاد السند: في 6 رمضان 63هـ، في هذا اليوم من شهر رمضان إفتتح المسلمون بلاد السند.
7. فتح الأندلس: في 28 رمضان 92هـ، معركة دارت رحاها بين المسلمين والجيش القوطي.
8. بلاط الشهداء: في رمضان 114هـ، معركة دارت رحاها بين المسلمين والفرنجة.
9. فتح عمورية: في 17 رمضان 223هـ، معركة دارت رحاها بين المسلمين والروم.
10. معركة المنصورة: في رمضان 647هـ، معركة دارت رحاها بين المسلمين والحملة الصليبية.
11. عين جالوت: في 20 رمضان 658هـ، معركة دارت رحاها بين المسلمين والمغول.
12. فتح شقحب: في 2 رمضان 702هـ، معركة دارت رحاها بين المسلمين والمغول.
13. فتح قبرص: في 1 رمضان 829هـ، معركة "الحملة الثالثة" دارت رحاها بين المسلمين والصليبيين.
14. معركة العبور: "حرب أكتوبر" في 10 رمضان 1393هـ، معركة دارت رحاها بين الجيش المصري والاحتلال الصهيوني.

ختامًا: كثيرةٌ هي الانتصارات في شهر رمضان، وليس من سبيل لنا اليوم إلا أتباع السبب الحقيقي المؤسس لأي نصر، فقد كان الصحابة رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار، فالانتصار على النفس سبيل النصر على الأعداء، وفي شهر رمضان ينتصر الصائم على نفسه، ونتذكر هنا مقولة "ربعي بن عامر التميمي" مُخاطبًا رسُتم قائد جيش الفرس: "نحن قومٌ ابتعثنا الله لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".


رمضان، شهر رمضان، شهر الانتصارات، غزة الصمود


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع