إن علم الأديان هو العلم الذي يهتم بالأديان والمذاهب الدينية دراسة وتأريخا ونقدا، دون تمييز فيما بينها، وقد عرف هذا العلم تطورا في الدول الغربية، إلى أن أصبح علما قائما بذاته في جامعات هذه الدول، تندرج تحته شعب وتخصصات في مختلف المعاهد والكليات.
وهذا الاهتمام الغربي بهذا الحقل، كان بالدرجة الأولى نتاج الاحتكاك المباشر وغير المباشر بالحضارة الإسلامية، لأن هذا الحقل المعرفي قد نشأ وتطور في ظل هذه الحضارة، حيث شهد تطورا على المستوى المعرفي والمنهجي، بصيغة لم تكن معهودة للبشرية من ذي قبل، وذلك راجع للخصوصية الحضارية التي تتميز به حضارتنا الإسلامية.
لقد قام المفكرون المسلمون على المستوى المنهجي بإحداث وتطوير المناهج لدراسة الأديان والمذاهب الدينية الأخرى، خصوصا تلكم المناهج المتعلقة بدراسة الحديث النبوي الشريف والأخبار التاريخية، وصنفوا في ذلك مصنفات ومؤلفات عديدة لا تعد ولا تحصى جمعت بين الوصف والتأريخ والنقد وحتى المقارنة، والمكتبة الإسلامية تشهد على ذلك.
إن المفكرين المسلمين –بكل فخر- قد برعوا في هذا الحقل المعرفي، لا يمكن نكران ذلك بشكل من الأشكال، وقد كانوا على دراية تامة بالمناهج التي اعتمدوها في دراساتهم لمختلف الملل والنحل، فأسهموا في تطوير علم الأديان، بل إنهم كانوا سباقين حضاريا في وضع لبناته الأساس. ويمكن القول لولا انشغال المسلمين بالصراع العسكري لرد العدوان، استجابة للظرفية الحرجة التي كانت تمر منها الأمة الإسلامية، لتطور هذا العلم أكثر مما بلغة ابن حزم والشهرستاني. ذلك أن ابن حزم يعد من أعظم أعلام الأمة الإسلامية، صاحب عقل موسوعي ونقدي وصاحب رؤية علمية، وهو قامة علمية رائدة في نقد نصوص الكتاب المقدس، والنصوص الدينية بشكل عام، بشهادة القدماء والمعاصرين من الباحثين الغربيين المنصفين والمعجبين به. أما الإمام محمد الشهرستاني، فشهرته لا تقل عن الإمام ابن حزم، فإذا كان الأخير من رواد الغرب الإسلامي، فالشهرستاني من مفكري الشرق الإسلامي، ذاع صيته لما كان يتسم به من صفات المفكر الناقد، والمفكر المبدع، والتي تجلت في مؤلفه "الملل والنحل"، فنال شهرة، وانتشارا في بقاع الأرض، وترجم إلى لغات عدة، قديما وحديثا، لأنه مؤلف جمع بين الفكرة والتصور والإبداع، ولا يدل ذلك إلا على النضج المنهجي في مجال تأريخ الأديان.
د. علي زلماط | D. ali zalmat | 3187