لعل أكثـر من اهتم في تراثنا بقضايا التـربية والتعليم هم علماء الحديث؛ فقد وردت في كتب التـراث المتخصصة في علم الحديث مسائل تـربوية عامة تصلح في تعلم سائر العلوم الأخرى، سواء في المؤلفات المفردة في بعض أنواع علم الحديث، أو في المؤلفات الجامعة. غيـر أنَّ أهم كتاب جامع لشتات مقاصد عولم الحديث، هو كتاب "معرفة أنواع علم الحديث" لأبي عمرو ابن الصلاح (ت643ه)؛ فهو من الكتب النادرة في العلوم الإسلامية، التـي ما إن صُنِّفت حتـى أصبحت إماما لأهل فنـها، وهَمًّا لطلاب ذلك العلم ولعلمائه، وأصلا أصيلا يَرجعون إليه، وموردا لا يصدرون إلا عنه، ولا يحومون إلا عليه، وما ذلك إلا للمنهجية الفريدة التـي أقام عليـها ابن الصلاح كتابه، والتـي استمدها – ولا شك – من واقع الممارسة التدريسية؛ فقد اشتغل بالتدريس قبل أن يصنف كتابه خمسة عشر عاما، ثم اشتغل بتدريس الكتاب لأزيد من عقد من الزمن. لأجل ذلك أحببت أن أسهم في إيضاح منهج علماء الحديث في تأليف مصنفاتـهم، وتدريسها؛ فوقع اختياري على هذا السفر لتكون دراسة منهج ابن الصلاح فيه تأليفا، وتدريسا، موضوع هذا البحث، بـهدف بيان استصـحاب المتقدميـن من علمائنا لهذا المسلك في التأليف والتدريس، وأنـهم ربطوا جودة التعليم، بجودتـهما معا، وأن تمهيـر الطالب، وإيصاله إلى منـزلة الملكة متوقف على جودتـهما معا.
أشرف مرادي | Achraf Mouradi | 447