مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ}

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


11/01/2023 القراءات: 322  


{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ}
قال تعالى:
{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}.
تقسم هذه الآيات الناس يوم القيامة فريقين: أشقياء وسعداء، الأشقياء في النار يعذّبون وهم فيها خالدون، والسعداء في الجنة ينعّمون، وهم فيها خالدون.
لكن هناك تساؤلات حول الآيات، وإشكالات تثيرها عند بعض الناس ألفاظها وعباراتها: إنها تقرر خلود أهل النار فيها، وتقيد -في ظاهرها- مدة الخلود بالسموات والأرض، واستمراره بدوامهما، وكذلك خلود أهل الجنة فيها. ففهم بعضهم أن " عذاب الكفار في النار مؤقت، وأنهم سوف يخرجون منها إلى الجنة.
كذلك تقرر الآيات ارتباط خلود الكفار في النار بمشيئة الله، ويقولون: إن الله سوف يشاء أن يخرجهم من النار في نهاية الأمر، ويدخلهم الجنة.
إنك قد تقرأ أو تسمع لأحدهم وهو يقول: إن الكفار سيعذبون في النار، وقد يطول بهم هذا العذاب، ولكنه ليس عذاباً دائماً مؤبداً، وهم لن يبقوا في النار إلى الأبد، وإنما سوف يعفو الله عنهم، ويخرجهم من النار، ويدخلهم الجنة، وُيعرفون فيها بأنهم " عتقاء الرحمن "! أما جهنم فسوف يأتي عليها حينٌ ليس فيها معذبون، وأن نارها سوف تخمد، وسيكون مكانها نباتاً وأشجاراً!
وبَنَوْا كلامهم هذا على قوله تعالى عن عذاب الكفار: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}.
وإن الإنسان البصير يتساءل: لماذا لا تقولون هذا عن الجنة ونعيمها
وأهلها! طالما أن العبارة نفسها وردت عند الحديث عنها: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} إن
الآية توحي -بناء على فهم أولئك الناس- بأن نعيم الجنة موقوت، ومقيدٌ بدوام السموات والأرض، ومتعلق بالمشيئة الربانية، فلماذا لا تقولون: بأن الجنة سوف يأتي عليها يومٌ لن يكون فيها منعَّمون، ولن يكون فيها نعيم؟
إن قصر هذا التوقيت والتقييد على عذاب النار وعلى الكفار وحدهم، نوعٌ من التحكم! ولو قلنا بأن نعيم الجنة موقوت، وإن أهلها منها سيخرجون، فإن كلامنا لن يتفق لا مع النص ولا مع العقل ولا مع المنطق!
ونرى أن فهم هؤلاء خاطئ، واستنتاجهم من الآية غير صحيح، فالقول بعدم خلود الكفار في النار، وخروجهم منها إلى الجنة في آخر الأمر، وفناء النار وزوالها من جهنم، يتعارض مع الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة.
إن القرآن يقرر بآياتٍ صريحة خلود الكفار الأبدي في النار، وأنهم لن يخرجوا منها مطلقاً:
قال تعالى: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وقال تعالى: {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا}.
ولا يمكن لأحد أن يغفل هذه الآيات الصريحة، ولا أن يلغي مفهومها، بل يجب أن يجمع بينها وبين آيات سورة هود -موضوع الكلام- وإزالة ما قد يبدو من تناقض بينها. هذا واجبٌ على كل من ينظر في آيات القرآن، ومن يستخرج منه أدلةً أو مفاهيم أو أحكاماً.
المفهوم القرآني الأصيل الصحيح، هو أن الكفار خالدون في جهنم أبداً، وأن عذاب جهنم دائم، وآيات سورة هود لا تتعارض مع هذا المفهوم، بل تقرره وتؤكده.
لكن هناك إشكالٌ في كلماتها، وهو {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}. فلماذا علق خلودهم الدائم بمدة دوام السموات والأرض، ودوامهما ليس أبدياً؟ ثم لماذا استثنى من الخلود ما أرادت مشيئة الله عدمه؟ وهل هناك من يشاء الله عدم خلودهم في النار؟
نقول: هذه الكلمات مؤكدة لمفهوم الخلود الأبدي للكفار في النار والخلود الأبدي للمؤمنين في الجنة، وجاء هذا التأكيد بصورة جديدة.
إن الآيات تريد أن تقرر للناس الذين يعيشون في هذه الحياة أن الخلود يوم القيامة خلودٌ أبدي، لا ينتهي ولا يزول، ولكن بعض الأفهام لن تدرك ذلك، وبعض الخيالات عاجزةٌ عن تخيُّله: أبديٌّ دائم! كيف؟ ملايين السنين! أحقاب طويلة! ...


{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ}


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع