مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


27/05/2023 القراءات: 14302  


قال أبو العتاهية:
أما والله إن الظلم لؤم ... وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا ... غدا عند الإله من الملوم
وكتب بها مع يحيى بن خالد بن برمك وقال الشاعر:
إذا جار الأمير وكاتباه ... وقاضي الأرض داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل ... لقاضي الأرض من قاضي السماء
وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «وإنما يرحم الله عز وجل من عباده الرحماء» وعن عبد الله بن عمرو - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح.
وعن أبي هريرة مرفوعا «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه» رواه مسلم وقال سعيد بن المسيب لأن يخطئ الإمام في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة وقال جعفر بن محمد لأن أندم على العفو أحب إلي من أن أندم على العقوبة، كان يقال لي أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» وذكرت في مكان آخر ما تكرر من قوله - عليه السلام - لا تغضب وقوله «إذا غضب أحدكم فإن كان قائما فليجلس، وإن كان جالسا فليضطجع» وقد قيل: «أوحى الله تعالى إلى موسى - عليه السلام - اذكرني عند غضبك أذكرك عند غضبي فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت فارض بنصرتي لك فإنها خير من نصرتك لنفسك» .
«وقال عيسى - عليه السلام -: يباعدك من غضب الله عز وجل أن لا تغضب» . وقد ذكرت معناه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «وقال سليمان بن داود - عليهما السلام -: أعطينا ما أعطي الناس وما لم يعطوا، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا، فلم نر شيئا أفضل من العدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر
وخشية الله عز وجل في السر والعلانية» .
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إنما يعرف الحلم ساعة الغضب وكان يقول أول الغضب جنون وآخره ندم ولا يقوم الغضب بذل الاعتذار وربما كان العطب في الغضب وقيل للشعبي لأي شيء يكون السريع الغضب سريع الفيئة ويكون بطيء الغضب بطيء الفيئة قال لأن الغضب كالنار فأسرعها وقودا أسرعها خمودا. أراد المنصور خراب المدينة لإطباق أهلها على حربه مع محمد بن عبد الله بن حسن فقال له جعفر بن محمد يا أمير المؤمنين إن سليمان - عليه السلام - أعطي فشكر، وإن أيوب - عليه السلام - ابتلي فصبر، وإن يوسف - عليه السلام - قدر فغفر، وقد جعلك الله عز وجل من نسل الذين يعفون ويصفحون. فطفئ غضبه وسكت. وسيأتي ما يتعلق بهذا بالقرب من نصف الكتاب في الخلق الحسن والحلم ونحو ذلك.
وقد قال ابن هبيرة فيما رواه البخاري عن أبي هريرة مرفوعا «لا يدخل الجنة أحد إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة ليكون عليه حسرة» قال فيه من الفقه أن المنعم عليه إذا بولغ في الإحسان إليه فإن من تمام الإحسان أن يشعر قدر أكثر الذي خلص فيه ليكون عليه من جهتين، بأن وقاه الله عز وجل الشر وغمسه في الخير، كما أن الكافر إذا اشتد به الانتقام أري مقام الفوز الذي فاته لتضاعف حسرته من طرفين: ما هو فيه وتوالي حسراته على ما فاته من الخير ليكون غمه من كلا جانبيه.
وقال ابن عقيل في الفنون قال بعض أهل العلم قولا بمحضر من السلطان في الاحتداد عليه وأخذ بعض من حضر يترفق ويسكن غضبه ولم يك محله بحيث يشفع في مثل ذلك العالم، فالتفت العالم فقال للشافع يا هذا غضب هذا الصدر وكلامه إياي بما يشق أحب إلي من شفاعتك إليه، فإن غضبه لا يغض مني وهو سلطاني، وشفاعتك في غضاضة علي وكان القائل حنبليا فأفحم الشافع وأرضى السلطان.
وقال أيضا غضب بعض الصوفية على الأمير في طريق الحج فقال حنبلي بلسان القوم. قبيح بنا أن نخرج ونرجع مطاوعة للنفوس وهل خرجنا إلا وقد قتلنا النفوس؟ فرجع معه وأطاعه فقال سبحان الله لو خوطبوا بلسان الشريعة من آية أو خبر ما استجابوا فلما خوطبوا بكلمتين من الطريقة أسرعوا الإجابة فما أحسن قول الله عز وجل {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} [إبراهيم: 4] .
وفي حواشي تعليق القاضي أبي يعلى ذكر المدائني في كتاب السلطان عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال له رجل يا أمير المؤمنين عظني قال مستوص أنت قال نعم قال: لا تهلك الناس عن نفسك فإن الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع النهار بكذا وكذا فإنه محفوظ عليك ما غفلت، وإذا أسأت فأحسن فإني لم أر شيئا أشد طلبا ولا أسرع إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم.
وبإسناده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حدثني أبي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «نعمت الهدية ونعمت العطية الكلمة من كلام الحكمة يسمعها الرجل فينطوي عليها حتى يهديها إلى أخيه» وفي البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن} [المؤمنون: 96] . قال الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة فإذا عصمهم الله عز وجل وخضع لهم عدوهم.
وقال أبو داود في الخراج اتخاذ الوزير حدثنا موسى بن عامر المري حدثنا الوليد حدثنا زهير بن محمد بن عبد الرحمن بن الهيثم عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا أراد الله عز وجل بالأمير خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله عز وجل به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه» حديث حسن رجاله ثقات وزهير تكلم فيه وحديثه حسن.
ويأتي في آداب الأكل في الضيف قصة أبي الهيثم بن التيهان فيما تعلق بهذا ويأتي أيضا في الاستئذان وأيضا في الشفاعة بالقرب من نصف الكتاب ما يتعلق بهذا .


إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع