مدونة عبدالحكيم الأنيس


سؤال وجواب في الوتس اب (19)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


07/03/2023 القراءات: 560  


السؤال (243):
ما معنى أن لكل آية ظهر وبطن وحد ومطلع؟
الجواب:
تعددتْ أقوال العلماء في ذلك، وهذا طرفٌ من فُهومهم لهذه المفردات:
قال المحاسبي (ت: 243) في «فهم القرآن» (ص: 328):
«رُوي عن أبي الأحوص عن عبدالله [بن مسعود] قال: لكل آيةٍ من كتاب الله ظهر وبطن ‌وحد ‌ومطلَع.
أمّا ظاهرها: فتلاوتها، وأمّا باطنها: فتأويلها، وأما حدُّها: فمنتهى فهمها. وعند هذه الخلة فرق الله بين الصادقين والكاذبين ممَّنْ تلاها، أو مَنْ عرف تفسيرها ولم يبلغ منتهى فهمها، أو صادق بلغ منتهى فهمها، لأنَّ أقل الصدق من المؤمن المريدِ بعد الإيمان بالآية أنْ يفهمها عن ربه وأن يعمل بها، وإنما قصرَ بالناس عن فهمها قلةُ تعظيمهم لقائلها.
وأمّا مطلعها: فمجاوزة حدِّها بالغلو والتعمق والفجور والمعاصي، من ذلك قول الله جل وعز {تلك حدود الله فلا تعتدوها}».
***
وقال سهل التستري (ت: 283):
«ما مِن آيةٍ في القرآن إلا ولها أربعة معان: ظاهر، وباطن، ‌وحد، ‌ومطلَع.
فالظاهر: التلاوة، والباطن: الفهم، والحد: حلالها وحرامها. والمطلع: إشراق القلب على المراد بها، فقهًا من الله عزَّ وجلَّ. فالعلم الظاهر علم عام، والفهم لباطنه والمرادِ به خاص. قال تعالى في الآية [78] من سورة النساء: {فَمَالِ هاؤلاء القوم لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}: أي لا يفقهون خطابًا».
***
وقال البغوي (ت: 516) في «شرح السنة» (1/ 262):
أنا محمد بن الحسن...، أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام، نا حجاج، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ما نزل من القرآن آية إلا لها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد ‌مطلع.
قال: فقلت: يا أبا سعيد، ما المطلع؟ قال: يطلع قوم يعملون به.
قال أبو عُبيد: أحسب قول الحسن هذا إنما ذهب إلى قول عبدالله بن مسعود فيه: حدثني حجاج، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة، عن عبدالله قال: «ما من حرف، أو آية إلا قد عمل بها قوم، أو لها قوم سيعملون بها». هذا حديث مرسل.
وقد يروى هذا عن أبي الأحوص، عن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن، ولكل حد مطلع».
قوله: «لكل آية منها ظهر وبطن» اختلفوا في تأويله:
فيروى عن الحسن: أنه سئل عن ذلك، فقال: إن العرب، تقول: قلبتُ أمري ظهرًا لبطن.
ويقال: الظهر: لفظ القرآن، والبطن: تأويله.
وقيل: الظهر: ما حدث فيه عن أقوام أنهم عصوا، فعُوقبوا وأهلكوا بمعاصيهم، فهو في الظاهر خبر، وباطنه عظةٌ وتحذيرٌ أن يفعل أحد مثل ما فعلوا، فيحل بهم ما حل بهم.
وقيل: ظاهره: تنزيله الذي يجب الإيمان به، وباطنُه: وجوب العمل به، وما من آية إلا وتوجب الأمرين جميعًا، لأن وجوه القرآن أمر ونهي، ووعد ووعيد، ومواعظ وأمثال، وخبر ما كان وما يكون، وكل وجهٍ منها يجب الإيمان به، والتصديق له، والعمل به، فالعمل بالأمر إتيانه، وبالنهي الاجتناب عنه، وبالوعد الرغبة فيه، وبالوعيد الرهبة عنه، وبالمواعظ الاتعاظ، وبالأمثال الاعتبار.
وقيل: معنى الظهر والبطن: التلاوة والتفهم، كأنه يقول: لكل آية ظاهر، وهو أن يقرأها كما أنزلت، قال الله سبحانه وتعالى: {ورتل القرءان ترتيلا} [المزمل: 4]، وباطن وهو التدبر والتفكر، قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} [ص: 29].
ثم التلاوة إنما تأتي بالتعلم والحفظ بالدرس، والتفهم إنما يكون بصدق النية، وتعظيم الحرمة، وطيب الطعمة.
وقوله: «لكل حرف حد، ولكل حد مطلع»، يقول: لكل حرف حد في التلاوة ينتهي إليه، فلا يجاوز، وكذلك في التفسير، ففي التلاوة لا يجاوز المصحف الذي هو الإمام، وفي التفسير لا يجاوز المسموع.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأيي».
ورُوي أنه سُئل عن قوله سبحانه وتعالى: {وفاكهة وأبا} [عبس: 31] ما الأب؟ فقال: «أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم»
ورُوي عن عمر، أنه قال: {وفاكهة وأبا} [عبس: 31] قال: ما الأب؟ ثم قال ابنُ الخطاب: «إن هذا لهو التكلف».
وقال سعيد بن جبير: سألتُ ابن عباس عن قوله سبحانه وتعالى: {والسماء والطارق} [الطارق: 1]، وقوله عز وجل: {والمحصنات من النساء} [النساء: 24] وعن قوله: {فلا أقسم بالخنس} [التكوير: 15] قال: ما أعلم منه إلا ما تعلم.
وقال ابنُ سيرين: سألتُ عبيدة عن آية، فقال: عليك بالسداد، فقد ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن.
قال إبراهيم: كان أصحابنا يكرهون التفسير ويهابونه.
قوله: مطلع.
المطلع: المصعد، أي: لكل حد مصعدٌ يصعد إليه من معرفة علمه، ويقال: المطلع: هو الفهم، وقد يفتح الله تعالى على المتدبر، والمتفكر فيه من التأويل، والمعاني ما لا يفتح على غيره، وفوق كل ذي علم عليم. قال أبو الدرداء: لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة".
***
وقال بد الدين الزركشي (ت: 794) في «البرهان في علوم القرآن» (2/ 154):
«فالظاهر: التلاوة، والباطن: الفهم، والحد: إحكام الحلال والحرام، والمطلع: أي الإشراق من الوعد والوعيد.
فمَن فهم هذه الملاحظة بان له بسط الموازنة، وظهر له حال المعاينة، وفي صحيح ابن حبان عن ابن مسعود قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منه ظهر وبطن».
***
وقال البقاعي (ت: 885) في «مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور» (1/ 372-375):
«روى البغوي في "شرح السُّنة" عن علي بن زيد عن الحسن البصري مُرسلًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية ظهر وبطن، ولكلٍّ حد ومطلع.
ورواه الطبراني في الأوسط، وأبو يعلى ورجاله ثقات، والبزار. قال ابن رجب: وابن حبان في صحيحه، وابن جرير.
وفي رواية للطبراني: أن عبدالله رضي الله عنه قال: إن هذا القرآن ليس منه حرف، إلا له حد، ولكل حد مطلع.
التتمة في الحلقة الآتية


أسئلة وأجوبة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع