مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين سودة بنت زمعة (رضي الله عنها)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


19/04/2023 القراءات: 249  


سلسلة أمهات المؤمنين
سودة بنت زمعة (رضي الله عنها)


من خديجة إلى سودة (رضي الله عنهما)
بعد الخروج من الشعب، بسبب القطيعة التي فرضتها قريش على بني هاشم والمسلمين، والتي استمرت طيلة أعوام ثلاثة لقي فيها المسلمون عنتاً شديداً، وإرهاقاً ما بعده إرهاق. كانت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها كما سبق وذكرنا تقاسي من المرض والضعف، ثم ما لبثت أن لحقت بالرفيق الأعلى، فوجد عليها رسول (صلى الله عليه وسلم) وجداً شديداً وحزن حزناً بالغاً. وكذلك بناتها الأربع، زهرات بيت النبوة النضرات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وكل المسلمين!
ثم إن أبا طالب قد لحقها والذي كان نعم العشير والنصير لابن أخيه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه فازداد عليه الصلاة والسلام حزناً وهماً!!
وكان عمه أبو لهب قد رد عليه ابنتيه رقية وأم كلثوم بسبب ما نزل فيه من الوحي. فلقد تكأكأت على القلب الشريف الكبير من كل ناحية، مما زاده تعلقاً بالله، واستمساكاً بحبله، ورجاءً به سبحانه. ولقد قصد (صلى الله عليه وسلم) إلى الطائف لعله يجد في أهلها بني ثقيف تفهماً للدعوة، وقبولاً لها، فردوه أقبح رد وجفوه أشنع جفاء، حتى إنهم أغروا صبيانهم وسفهاءهم برميه بالحجارة فأدموا قدميه الشريفتين.
تلك الأيام وتلك الحقبة كانت أقسى ما مر به (صلى الله عليه وسلم) من محن وشدائد.
بين القبول والتردد
وبينما هو (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم في بيته، يلفه الحزن والكآبة، يفزع إلى الصلاة والدعاء ليجد بهما عزاء قلبه وروحه، جاءته إحدى السيدات المسلمات خولة بنت حكيم (رضي الله عنها) تحدثه حدثاً عجيباً.
لقد كان المسلمون جميعاً يشعرون بما يقاسي عليه الصلاة والسلام من آلام المحنة، فقد خلا البيت النبوي من أطهر الزوجات وأكرمهن، ومات العم المدافع عن أخيه ورده أهل الطائف رداً قبيحاً منكراً، فكان المسلمون يحسون بذلك، ويحاولون أن يخففوا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى من يقوم على شؤونه ويدبر له أموره.
روى الطبري أن خولة بنت حكيم قالت: يا رسول الله، ألا تتزوج؟!
فقال عليه الصلاة والسلام: ومن؟
قالت: إن شئت بِكراً وإن شئت ثيِّباً.
قال: فمن البكر؟
قالت: ابنة أحب خلق الله إليك، عائشة ابنة أبي بكر.
قال: ومن الثيِّب؟
قالت: سودة بنت زُمعة، قد آمنت بك، واتبعتك على ما أنت عليه.
قال: فاذهبي فاذكريها علي (أي اخطبيها لي).
فجاءت فدخلت بيت أبي بكر قالت: ثم خرجت فدخلت على سودة فقالت: أي سودة، ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟!
قالت: وما ذاك؟
قالت: أرسلني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخطبكِ عليه.
فقالت: وددت (أي أتمنى ذلك) ادخلي على أبي فاذكري له ذلك.
قالت: وهو شيخ كبير، فدخلت عليه، فحييته بتحية الجاهلية، ثم قلت: إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أرسلني أخطب عليه سودة.
قال: كفءٌ كريمٌ، فماذا تقول صاحبته (أي مخطوبته).
قالت: تحب ذلك.
قال: ادعيها لي. فدُعيت له. قال أبوها: أي سودة، زعمت هذه أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أرسل يخطبك، وهو كفء كريم، أفتحبين أن أزوِّجْكِهِ؟
قالت: نعم
قال: فادعيه لي. فدعته خولة، فجاء فزوجه.
نسبها ونشأتها
هي سَوْدَةُ بنت زُمْعَة بنت قيس من بين شمس، وأمها الشموس بنت قيس بن عمر من بني النجار من أهل يثرب.
نشأت سودة في مكة وفيها ترعرعت حتى بلغت مبلغ الصبا والفتوة، فتقدم لخطبتها والزواج منها السكران بن عمرو فقبل به أبوها وزوجها به. ومات عنها وكان من المصدقين الأوائل السابقين إلى الإسلام الذين آمنوا بالله ورسوله. وكانت سودة (رضي الله عنها) امرأة مسنة، فارعة العود طويلة القامة ضامرة الجسم، نحيلة، ليست على أي قسط من الجمال، ولا مطمع فيها للرجال.
إسلامها
حين أشرقت شمس الدعوة الإسلامية على مكة استضاء بها قلب الزوجين السكران وسودة فأعلنا إسلامهما وإيمانهما، وانضويا تحت اللواء الشريف، وانتظما في موكب النور. وعندما ضاق المؤمنون القلائل ذرعاً بأذى قريش وتعرضها الدائم لهم بالإكراه والتعذيب والفتنة، أذن النبي (صلى الله عليه وسلم) لمن أراد منهم الهجرة إلى الحبشة.
هجرتها
هاجرت سودة مع زوجها السكران بن عمرو إلى الحبشة في جملة من هاجروا وهناك أقاموا مدة من الزمن بعيداً عن الأهل والوطن، في شوق دائم وحنين لا ينقطع، خصوصاً إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
العودة من الحبشة
وبإسلام عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنهما) تشجع بعض المهاجرين إلى الحبشة بالعودة إلى مكة وآثر الآخرون البقاء. وكانت سودة (رضي الله عنها) مع زوجها ممن أسرعوا بالعودة..! وتعود أسباب سرعتها في العودة إلى ما كان قد أصاب زوجها من أمراض وعلل في غربته الموحشة، وبعده عن الأهل والوطن، والأحباب والأصحاب، وتغير المناخ.
الأيم ومع وصول الزوجين إلى مكة فوجئا بأن قريش ماتزال على موقفها من العداء الشديد للإسلام والمسلمين، بل زادت من حدة الصراع، ولم ترعوِ عن غيها وكفرها وعنادها. ولازم الزوج السكران بن عمرو الفراش بسبب العلة، والضعف المتناهي، وقامت سودة على تمريضه ومداواته ومساعدته. ولكن لم تمضِ أيام على وصوله حتى اشتد به المرض ومنعه من الكلام والحركة، ولم يلبث أن فارق الحياة. وتأيمت سودة (رضي الله عنها) وأمضت أيامها بمكة حزينة آسفة، صابرة على قضاء الله وقدره، معتصمة بإيمانها، متمسكة بإسلامها، تستمد من الباري عز وجل العون والرحمة.


سلسلة أمهات المؤمنين سودة بنت زمعة (رضي الله عنها)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع