مدونة عبدالحكيم الأنيس


من تراث الإمام أبي حاتم ابن حِبّان البُستي المفقود

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


31/05/2023 القراءات: 637  


كان الإمام الحافظ أبو حاتم محمد بن حبّان البستي المتوفى سنة (354) من كبار المحدِّثين، ومن أجلاء المصنِّفين، وقد وضع ثروة علمية جليلة، ولكن أكثرها لم يشتهر ولم يصل إلى أيدي العلماء، وقد قال الخطيب البغدادي (المتوفى سنة 463) في كتابه «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (2/ 302):
«ومن الكتب التي تكثرُ منافعها -إنْ كانت على قدر ما ترجمَها به واضعُها- مصنّفات أبي حاتم محمد بن حبان البستي، التي ذكرها لي مسعودُ بن ناصر السجزي، وأوقفني على (تذكرة) بأساميها، ولم يقدرْ لي الوصول إلى النظر فيها؛ لأنها غير موجودة بيننا ولا معروفة عندنا، وأنا أذكرُ منها ما أستحسنه، سوى ما عدلتُ عنه واطرحته». ثم ذكر (42) عنوانًا.
ومن مؤلفاته الرائعة الجليلة الحافلة: (روضة العقلاء)، وقد وصل إلينا بحمد الله تعالى، وهو من الكتب التي تُعلِّمُ، وتُؤدِّبُ، وتزيدُ في العقل، وتنمّي الذوق، وترتفعُ بالإنسان إلى مصاف الكمال.
وعلمنا مِن طبعته التي ظهرتْ بتحقيق الدكتور محمد عايش سنة (1439-2017) أن له إبرازتين، تزيد الثانية على الأولى أكثر من (120) نصًّا، وفيها تعديل لعناوين أبواب الكتاب التي هي خمسون بابًا.
وقد ذكر ابنُ حبان لنفسه في هذا الكتاب (أحد عشر كتابًا)، وعناوينها جذابة خلابة، وهذه أقوالُه في ذكرها، والسياقاتُ تدل على أهميتها وجلالتها، والله المستعان على فقدها وفقد أمثالها.
***
قال رحمه الله في كتابه (روضة العقلاء)، في (الباب الثاني) وهو (ما يجبُ على المرء من إصلاح السرائر، وما عليه من التحفُّظ للضمائر):
«...قد ذكرتُ هذا الباب بكماله بالعلل والحكايات في كتاب ‌(محجة المريدين) [وفي نُسخ: محجة المبتدئين]، بما أرجو الغُنية فيها للناظر إذا ما تأمّلها، فأغنى ذلك عن تكراره في هذا الكتاب» .
***
وقال في (الباب الثالث) وهو (ما يجبُ على المرء من طلب العلم، وما عليه عنده من متابعة الحلم):
«...قد ذكرتُ أسبابَ المتعلِّمين، وأخلاق العلماء، بعللها في كتاب ‌(العالم ‌والمتعلِّم)، بما أرجو أن يكون فيه غنية لمَن أراد الوقوف على معرفتها، فأغنى ذلك عن التكرار، إذ شرطنا في هذا الكتاب الاختصار، كراهية سلوك التطويل، والإشارة إلى قصد نفس التحصيل» .
***
وقال في (الباب الرابع) وهو (ما يجبُ على المرء من الحفظ للسان، وتعهُّده عند الإظهار للبيان):
«قد ذكرتُ ما يشاكلُ هذه الحكايات في كتاب ‌(حفظ ‌اللسان)، فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب» .
***
وقال في (الباب الثالث عشر) وهو (ما يستحبُّ للمرء من لزوم المؤاخاة، مع الخاص ببذل الود والمصافاة):
«... قد ذكرتُ ما يشاكلُ هذه الحكايات في كتاب (‌مراعاة ‌العشرة)، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب» .
وأعاد ذكرَ هذا الكتب (مراعاة العشرة) في آخر الباب (الثاني والثلاثين) وهو (استحبابُ قبول الاعتذار، عن المعتذر بمجانبة الإصرار) فقال:
«...قد ذكرتُ ما يشاكلُ هذه الحكايات في كتاب (‌مراعاة ‌العشرة)، فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب» .
***
وقال في الباب (السابع عشر) وهو (وصفُ تعارف الأرواح للائتلاف، وما يعلم تناكرها للاختلاف):
«...قد ذكرتُ ما يشاكلُ هذه الحكايات والأشعار على التقصِّي في كتاب ‌(الوداع والفراق)، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب، إذ شرطنا فيه الإشارةُ إلى الشيء المحصول، والإيماءُ إلى الشيء المَقول» .
***
وقال في (الباب الحادي والعشرين) وهو (الزجرُ عن لزوم الحرص للعاقل، إذ ارتكابه مِنْ شِيم الأنوك الجاهل):
«...قد ذكرتُ ما يشاكلُ هذه الحكايات بعللها في كتاب (‌الثقة ‌بالله)، بما أرجو أن يكون فيه غنية لمن أراد الوقوف على معرفتها، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب» .
***
وقال في (الباب السابع والعشرين) وهو (ما يجبُ على المرء المسلم الواثق، من لزوم التوكل على الخالق الرازق):
«...قد ذكرنا هذا الباب بالعلل والحكايات على التقصّي في كتاب (‌التوكل)، فأغنى ذلك عَن تكرارها في هذا الكتاب» .
***
وقال في (الباب الحادي والثلاثين) وهو (الزجرُ عن قبول قول الوشاة، وذكر ما جاء في السُّعاة):
«...قد ذكرتُ ما يشاكلُ هذه الحكايات في كتاب (‌مراعاة الأحوال)، [وفي نُسخ: مراعاة الإخوان]، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب» .
***
وقال في (الباب السابع والثلاثين) وهو (ما على المرء من لزوم الحلم والتغافل، عن أخيه عند التباغض والتجاهل):
"أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال: حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي قال: حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حليم إلا ذو تجربة.
قال أبو حاتم: هذا الخبر من الضرب الذي ذكرتُ في كتاب ‌(فصول ‌السُّنن) بأنَّ العرب تضيف الاسمَ إلى الشيء للقرب من التمام، وتنفي الاسمَ عن الشيء للنقص من الكمال، فلما كان الغالبُ على المرء أن لا يكون حليمًا حتى يكون ذا عثرةٍ نفى النبي صلى الله عليه وسلم اسمَ الحليم عمَّن لم يكن بذي عثرة، لنقصه عن الكمال» .
***
وقال في (الباب الأربعين) وهو (إباحةُ جمع المال، للقائم بحقه في الحال):
«...ولقد ذكرتُ هذه المسألة بتمامها بالعلل والحكايات في كتاب (الفصل بين ‌الغنى والفقر)، بما أرجو الغنية فيها لمن أراد الوقوفَ على معرفتها، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب» .
***
وقال في آخر هذا الباب أيضًا:
«...قد ذكرتُ ما يشاكلُ هذه الحكايات في كتاب (‌السخاء والبذل)، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب» .
***
وقد حشد ابنُ حبان في كتابه (روضة العقلاء) الكثير من الآيات والأحاديث، والآثار، والأخبار، والأشعار، والحكايات والنوادر، وأحال للاستكمال على هذه الكتب فكيف لو وقفنا عليها؟
رحمه الله وجزاه عن العلم والدين خيرًا.


تراث ابن حبان. التراث التربوي. التراث المفقود


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع