مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


10/05/2023 القراءات: 236  


قال ابن عقيل التوبة من سائر الذنوب مقبولة خلافا لإحدى الروايتين عن أحمد لا تقبل توبة القاتل ولا الزنديق ثم بحث المسألة وقال: الزنديق إذا ظهر لنا هل يجب أن نحكم بإيمانه الظاهر وإن جاز أن يكون عند الله عز وجل كافرا؟ قال ولأن الزندقة نوع كفر فجاز أن تحبط بالتوبة كسائر الكفر من التوثن، والتمجس والتهود، والتنصر وكمن تظاهر بالصلاح إذا أتى معصية وتاب منها وقال:
وليس الواجب علينا معرفة الباطن جملة وإنما المأخوذ علينا حكم الظاهر فإذا كان لنا في الظاهر حسن طريقته، وتوبته وجب قبولها ولم يجز ردها لما بينا وإن جميع الأحكام تتعلق بها، ولم أجد لهم شبهة أوردوها إلا أنهم حكوا عن علي أنه قتل زنديقا ولا أمنع من ذلك، وإن الإمام إذا رأى قتله لأنه ساع في الأرض بالفساد ساغ له ذلك.
فأما أن تكون توبته لم تقبل بدلالة أن قطاع الطريق لا يسقط الحد عنهم بعد القدرة ويحكم بصحتها عند الله عز وجل في غير إسقاط الحد عنهم فليس من حيث لم يسقط القتل لا تصح التوبة.
ولعل أحمد - رضي الله عنه - عنى بقوله: لا تقبل في غير إسقاط القتل فيكون ما قبله هو مذهبه رواية واحدة.
وقال أيضا: وهو معنى ما ذكره الأصحاب لعل أحمد تعلق بأن فيه حق آدمي وذلك لا يمنع صحة التوبة لأنه تعلق به حق فالتوبة تسقط ما يثبت في معصية الله عز وجل، ويبقى ظلم الآدمي ومطالبته على حالها وذلك لا يمنع صحة التوبة، وكذلك قال هو، وهو معنى كلام غيره كمن قال لا تقبل توبة المبتدع.
نحن لا نمنع أن يكون مطالبا بمظالم الآدميين ولكن لا يمنع هذا صحة التوبة كالتوبة من السرقة، وقتل النفس، وغصب الأموال صحيحة مقبولة، والأموال والحقوق للآدمي لا تسقط ويكون هذا الوعيد راجعا إلى ذلك، ويكون نفي القبول عائدا إلى القبول الكامل، ومن كلام القاضي أبي يعلى وذكر أنه نقل ذلك من كتب أخيه.
قال المروذي سئل أحمد - رضي الله عنه -
عما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن الله عز وجل احتجز التوبة عن صاحب بدعة» . وحجز التوبة أي شيء معناه؟ قال أحمد: لا يوفق ولا ييسر صاحب بدعة لتوبة.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لما قرأ هذه الآية: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} [الأنعام: 159] فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هم أهل البدع والأهواء ليست لهم توبة» قال الشيخ تقي الدين: لأن اعتقاده لذلك يدعوه إلى أن لا ينظر نظرا تاما إلى دليل خلافه فلا يعرف الحق، ولهذا قال السلف إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية.
وقال أيوب السختياني وغيره: إن المبتدع لا يرجع.
وقال أيضا: التوبة من الاعتقاد الذي كثر ملازمة صاحبه له ومعرفته بحججه يحتاج إلى ما يقارب ذلك من المعرفة، والعلم، والأدلة، ومن هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شبابهم» قال أحمد وغيره: لأن الشيخ قد عسا في الكفر فإسلامه بعيد بخلاف الشاب فإن قلبه لين فهو قريب إلى الإسلام وعن ابن عباس لا توبة لمن قتل مؤمنا متعمدا وقال إن آية الفرقان: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} [الفرقان: 68] {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} [النساء: 93] . وقال أيضا عن آية النساء: لم ينسخها شيء وإن آية الفرقان نزلت في أهل الشرك. روى ذلك البخاري ومسلم.
وما روي عن ابن عباس في نفي قبول توبة القاتل يشبه والله أعلم أنه أراد به أن حق المقتول لا يسقط بمجرد التوبة إلى الله عز وجل بل لا بد من الخروج من مظلمة الآدميين وهذا حق كما قاله ابن عباس فإن من تمام توبته تعويض المظلوم فيمكن أولياء المقتول وإذا مكنهم فقتلوه، أو عفوا عنه، أو صالحوه على الدية فهل يسقط حق المقتول في الآخرة؟ على قولين في مذهب
أحمد وغيره.
ولعل ابن عباس كان ممن يقول: لا يسقط حق المقتول في الآخرة قال: وعلى هذا القول فيأخذ المقتول من حسنات القاتل بقدر مظلمته كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح فإذا استكثر القاتل وغيره من أهل الظلم التائبين من الحسنات ما يوفي به غرماءه، ويبقى له فضل كان بمنزلة من عليه ديون واكتسب أموالا يوفي بها ديونه، ويبقى له فضل، ويأتي كلام في توبة المبتدع وغيره أيضا.
ويؤيده ما قال أحمد في المسند حدثنا سفيان عن عمار عن سالم سئل ابن عباس عن رجل قتل مؤمنا، ثم تاب، وآمن وعمل صالحا، ثم اهتدى قال: ويحك وأنى له الهدى؟ سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يجيء المقتول متعلقا بالقاتل يقول يا رب سل هذا فيم قتلني؟» والله لقد أنزلها الله على نبيكم وما نسخها بعد إذ أنزلها قال: ويحك وأنى له الهدى؟ عمار هو الذهبي وسالم هو ابن أبي الجعد إسناد جيد. ورواه النسائي وابن ماجه من حديث سفيان. ورواه أحمد أيضا بمعناه عن محمد بن جعفر وروح عن شعبة عن مسلم سمعت ابن عباس فذكره بإسناد جيد ومسلم هو ابن مخراق.
وينبغي أن يقال: إذا قيل لا توبة له معناه يعذب على هذا الذنب ولا بد، ثم يخرج كأهل الكبائر إذا لم يتوبوا، لا أنه لا يخرج من النار أبدا ولم أجد هذا صريحا عن ابن عباس ولا عن أحمد، وحكاه بعضهم قولا في التفسير، ولا وجه له فإنه لا يكفر بذلك عند أهل السنة ولا وجه عندهم لتخليد مسلم في النار.


{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع