مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


ومن خلف مالا وورثة فكأنه استناب في القضاء

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


12/05/2023 القراءات: 186  


قال ابن عقيل في المجلد التاسع عشر من الفنون في حل الدين بالموت: وأنا أقول: المطالبة في الآخرة فرع على مطالبة الدنيا وكل حق لم يثبت في الدنيا فلا ثبات له في الآخرة، ومن خلف مالا وورثة فكأنه استناب في القضاء، والدين كان مؤجلا فالنائب عنه يقضي مؤجلا، والذمة عندي باقية، ولا أقول: الحق متعلق بالأعيان، ولهذا تصح البراءة منه ويصح ضمان دين الميت لبقاء حكم الذمة فلا وجه لمطالبة الآخرة، فقيل: له الذي امتنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة عليه كان معسرا؛ لأنه سأل " هل خلف وفاء؟ " فقيل: لا، وقد أجل الشرع دين المعسر أجلا حكميا بقوله تعالى: {فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280] .
ثم أجله حال الحياة لم يوجب بقاءه بعد الموت حتى شهد الشرع بارتهانه فقال ابن عقيل: تلك قضية في عين فيحتمل أن يكون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بأن كان مماطلا بالدين ثم افتقر بعد المطل بإنفاق المال فحمل الأمر على الأصل الذي عرف منه وقضية الأعيان إذا احتملت وقفت فلا يعدل عن الأصل المستقر لأجلها، والأصل المستقر هو أن كل حق موسع لا يحصل بتأخيره في زمان السعة والمهلة نوع مأثم بدليل من مات قبل خروج وقت الصلاة لا يأثم بخلاف من مات بعد خروج الوقت مع التأخير والإمكان من الأداء، وللقاضي في الخلاف هذا المعنى فقال فيمن له تأخير الصلاة فمات قبل الفعل: لم يأثم وتسقط بموته قال: لأنها لا تدخلها النيابة فلا فائدة في بقائها في الذمة بخلاف الزكاة والحج وعلى أنه لا يمتنع أن لا يأثم، والحق في الذمة كدين معسر لا يسقط بموته، ولا يأثم بالتأخير لدخول النيابة لجواز الإبراء وقضاء الغير عنه.
وقيل له: لو وجبت الزكاة لطولب بها في الآخرة
ولحقه المأثم كما لو أمكنه. فقال: هذا لا يمنع من ثبوت الحق في الذمة بدليل الدين المؤجل والمعسر بالدين.

وقال أيضا في الفنون: قال شافعي في مسألة الإقرار لوارث يفضي إلى سد باب الخروج عن الدين: ومحال أن يوجب الله تعالى حقا ولا يجعل للمكلف منه مخرجا، قال حنبلي إذا أقر ورد الحاكم الحنبلي أو الحنفي قوله فقد بذل وسعه في قضاء الدين إذا عجز عن قضائه فيما بينه وبين الغريم، ومن بلغ جهده فلا تبعة عليه في تعويق الحقوق بدليل المعسر العازم على قضاء دينه متى استطاع إذا مات قبل اليسار فعزمه على القضاء قام العزم في دفع مأثمه مقام القضاء فلا مأثم.
وكذلك من أشهد على نفسه عبدين فلما أقام الغريم الشهادة بعد موت من عليه الحق ردت شهادتهما، ولا يقال بأنه مأثوم في تعويق الحق إذا كان صاحب الحق رضي بشهادتهما ومن عليه الحق لم يعلم أن شهادتهما لا تقبل فكل عذر لك في رد في الشهادة، وكون الحق لا طريق له إلا ذلك هو جوابنا في هذا الإقرار انتهى كلامه.
فظاهره ولو فرط في تأخير الإقرار إلى المرض ولعله ليس بمراد كمعسر قدر على الوفاء في وقت وطولب؛ لأنه لا يلزمه الوفاء قبل الطلب في أظهر الوجهين فأخر حتى افتقر ثم ندم وتاب.
وقال أبو يعلى الصغير في مسألة حل الدين بالموت: معنى قول ابن عقيل وقال أبو بكر الآجري بعد أن ذكر الخبر إن الشهادة تكفر غير الدين قال: هذا إنما هو فيمن تهاون بقضاء دينه، وأما من استدان دينا وأنفقه في غير سرف ولا تبذير ثم لم يمكنه قضاؤه فإن الله تعالى يقضيه عنه مات أو قتل انتهى كلامه. فإن حمل كلام ابن عقيل على ظاهره، وحمله عليه مراده والله أعلم بحمله قضية الذي ضمن على المطل لا على القدرة على الوفاء صار فيمن تهاون بقضاء الدين أو بالإقرار منه ولم يطلب ذلك منه وجهان.
وقال الشيخ مجد الدين في شرح الهداية في مسألة صرف الزكاة في الحج:
الغارم الذي لم يقدر في وقت من الأوقات على قضاء دينه غير مطالب في الدنيا ولا في الآخرة. فاعتبر القدرة لا المطالبة فهو موافق لكلام الآجري والله أعلم وقال حفيده: تقبل توبة القاتل وغيره من المظلمة فيغفر الله عز وجل له بالتوبة الحق الذي له، وأما حقوق المظلومين فإن الله عز وجل يوفيهم إياها إما من حسنات المظالم أو من عنده.
وقال القرطبي في تفسيره حكاية عن العلماء، فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه، والخروج عنه عينا كان، أو غيره إن كان قادرا عليه، فإن لم يكن قادرا عليه فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه.
وهذا يدل على الاكتفاء بهذا وأنه لا عقاب عليه للعذر والعجز، وقد أفتى بهذا بعض الفقهاء في هذا العصر من الحنفية والمالكية والشافعية وأصحابنا، وشرط المالكي في جوابه أن يكون استدان لمصلحة لا سفها.
وحكي أن بعض العلماء المتقدمين قال ما معناه: إن الله تعالى لم يعاقبه في الدنيا بل أمر بإنظاره إلى الميسرة فكذلك في الدار الآخرة، وينبغي أن يحمل كلام ابن عقيل المتقدم إن كان المال مرادا منه على العاجز فيكون مثل هذا القول مع أن من نظر فيه لا يتوجه حمله على المال ولا يظهر أن مراده ذلك ليتفق ما ذكرنا من كلامه، وليتفق كلامه وكلام غيره.
أما حمله على ظاهره وهو ما فهمه صاحب الرعاية ففيه نظر وبعد ظاهر، ولهذا ذكر ابن عقيل في كتاب الانتصار أن من شرط صحة التوبة، وإخراج المظلمة من يده وقال بعد هذا: ومظالم العباد تصح التوبة منها، ومن مات نادما عليها كان الله تعالى هو المجازي للمظلوم عنه كما ورد الخبر «لا يدخل النار تائب من ذنوبه» وكذا قال ابن عقيل في الإرشاد، ومن شرط صحتها رد المظلمة إلى مالكها إن كان باقيا، أو التصدق بها إن كان معدوما وليس له ورثة.


ومن خلف مالا وورثة فكأنه استناب في القضاء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع