مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)(1)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


18/04/2023 القراءات: 228  


وكان لا يغيب عنها ما رأته في منامها منذ أمد… إذ رأت الشمس عظيمة مضيئة مشرقة..، أشد ما يكون الضوء جلالاً وجمالاً وسطوعاً..، تهبط إلى دارها من سماء مكة فيغمر ضوءها ما يحيط به من أماكن وبقاع..!
وإنها على أثر الرؤيا سعت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل تحدثه بذلك، فقال لها: لك البشرى يا خديجة يا ابنة العم، فهذه الشمس المضيئة علامة على قرب مجيء النبي الذي أظل زمانه…، ودخولها في دارك دليل على أنك ستتزوجين منه.
الزواج الميمون
فكرت خديجة في ذلك ملياً، ثم استقر رأيها على قرار. مضت إلى دار ابن عمها ورقة وحدثته من جديد بحديث ميسرة عن محمد والغمام الذي كان يظله في تنقلاته يحميه من وهج الشمس ولفحها وأذاها، فهتف ورقة: قدوس.. قدوس.. لقد قرب الأوان، واستدار الزمان، وآن لمكة أن تشهد الآية الكبرى. وأبدت خديجة رغبتها لابن عمها بالاقتران من محمد بن عبد الله فوافقها.
وعادت إلى دارها ثم أرسلت نفيسة إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تذكرها عنده، وتعرض عليه نفسها. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لنفيسة: «ما بيدي ما أتزوج به..»
قالت: فإن كُفيت ذلك، ودُعيت إلى الجمال والشرف… ألا تجيب؟
قال: «فمن هي؟»
قالت: خديجة
قال: «خديجة بنت خويلد؟!»
قالت: نعم
فقال في ابتهاج: «وكيف لي بذلك؟»
قالت: أنا أفعل..
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «وأنا رضيت»
عمت الفرحة بيوت الهاشميين، وتناقل الناس النبأ العظيم، وتقدم أبو طالب يفتتح الحفل بالخُطبة، فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وجعل لنا بيتاً محجوباً وحرماً آمناً، وجعلنا حكاماً على الناس. أما بعد… فإن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً، وإذا كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حائل. ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خَطب خديجة بنت خويلد وبذل ما عاجله خمسمائة درهم، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل جسيم.
ثم تكلم ورقة بن نوفل ابن عم خديجة فقال: الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرتَ، وفضلنا على ما عددتَ، فنحن سادة العرب وقادتها، وأنتم أهل ذلك كله، لا تنكر العشيرة فضلكم، ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم، وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا عليّ يا معشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على الصداق المسمى.. ثم سكت.
فقال له أبو طالب: قد أحببتُ أن يشركك عمها. فقام عمرو بن أسد فقال: اشهدوا عليّ يا معشر قريش أني قد أنكحتُ محمد بن عبد الله، خديجة بنت خويلد، فهو والله الفحل الذي لا يُقرع أنفه…
ولما تم العقد نحرت الذبائح ووزعت على الفقراء، وفتحت دار خديجة للأهل والأقارب فإذا بينهم حليمة السعدية جاءت لتشهد عرس ولدها الذي أرضعته، وعادت بعد ذلك إلى قومها ومعها أربعون رأساً من الغنم هديةً من العروس الكريمة لمن أرضعت محمداً الزوج الحبيب…
وهكذا تأسس البيت النبوي الكريم، وكانت خديجة (رضي الله عنها) يومذاك في الأربعين من عمرها والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخامسة والعشرين.
من بيت أبي طالب إلى بيت خديجة
وانتقل عليه الصلاة والسلام من بيت عمه أبي طالب إلى بيت خديجة، ومرت أيام الحياة بالزوجين على أهنأ ما تكون، فقد كان هذا الزواج في حقيقته زواج عقل راجح إلى عقل راجح، وأدب جم وطيب خلق إلى مثله. يقول العقاد رحمه الله في وصف ذلك: لم يجد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جانبه فتاة غريزة تنزع ولا تدري ما تصنع، بل وجد إلى جانبه قلباً كريماً، وروحاً عظيماً، وسكناً تهدأ عنده جائشة صدره، وتطمئن إليه خشبة فؤاده.
زهرات بيت النبوة وبعد مرور عام وبعض عام أنجبت خديجة (رضي الله عنها) زينب كبرى بنات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فملأت البيت بالحركة والحيوية. وبعد ذلك بعام، وضعت رقية فكانت محل الحب والإعزاز، ثم أعقبتها أم كلثوم ثالثة النجوم..! فتهامس الناس في أندية قريش بأن محمداً لا يرزق إلا بنات..!
لقد اختصت وتشرفت (رضي الله عنها) بأنها أم أولاده (صلى الله عليه وآله وسلم) كلهم إلا إبراهيم فهو من مارية القبطية. وقد أنجبت له من الذكور القاسم وهو أول من مات من ولده ودفن بمكة، وعبد الله ويقال له الطاهر والطيب لأنه ولد في الإسلام ومات صغيراً بالبلد الحرام.
وحين دخل العام العاشر من الزواج الميمون كانت قد حملت خديجة وتمنى المحبون الغيورون أن يكون المولود ذكراً. وحلت في ذلك العام بقريش كارثة إذ احترقت أستار الكعبة، ومر بها سيل جارف فصدع جوانبها وأسقط بعض جدرانها وتنافس الناس في البناء بعد رهبة وفزع وشمر الجميع عن ساعد الجد، وحينما بلغوا موضع الحجر الأسود اختلفوا…، إذ تطلعت كل قبيلة لأن تحظى بشرف إعادته إلى مكانه من الركن… ثم اشتد النزاع وامتدت الأيدي إلى مقابض السيوف، ولولا كلمة صدرت عن أمية بن المغيرة المخزومي فحجزتهم، لفتك بعضهم ببعض، إذ قال لهم: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد، يقضي بينكم. فقبلوا جميعاً، ثم تعلقت عيونهم بالباب تنتظر القادم المجهول، وبينما هم كذلك إذ أقبل وجه يضيء كأنه البدر ليلة التمام، يعلوه الجلال، ويكسوه الوقار، متزن الخطى من غير تكلف، رزين من غير فتور… فصاح الناس جميعاً: هذا محمد بن عبد الله، رضينا بحكمه واستبشرنا بطلعته.
الحكمة النبوية
ثم حكموه فيما هم فيه مختلفون… وبحكمته البالغة (صلى الله عليه وآله وسلم) طلبَ ثوباً طويلاً (رداءً) وضع في وسطه الحجر الأسود ثم طلب إلى الكبراء منهم أن يمسكوا كل بطرف، ثم يرفعوه…
وأعاد (صلى الله عليه وآله وسلم) الحجر إلى مكانه بيده الشريفة، وحقن برجاحة عقله وسمو حكمته دماء القبائل من قريش. وغادرهم إلى بيته، قلق البال على زوجته التي تركها وهي تعاني من آلام الوضع، وعلى بعد خطوات من باب بيته (صلى الله عليه وآله وسلم) تلقى البشرى…،


سلسلة أمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)(1)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع