مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


{وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا}

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


06/05/2023 القراءات: 200  


قال أبو جعفر النحاس: نظيرها {يا ليتنا نرد} [الأنعام: 27] الآية قاله ردا على من قال بخلاف ذلك وقد قال تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا} [العنكبوت: 12] . الآية.
وفي صحيح البخاري «أن سعد بن عبادة قال يوم فتح مكة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة. فأخبر أبو سفيان بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة» .
وروى مسلم عن جابر «أن عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكو حاطبا فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذبت لا يدخلها فإنه قد شهد بدرا والحديبية» قال في شرح مسلم: وفي هذا الحديث حديث حاطب يرد عليه، وإن لفظ الكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو به سواء كان من ماض أو مستقبل، وهذا قاله ابن قتيبة وأظنه احتج هو وغيره بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف» فدل على أن إخلاف الوعد ليس
بكذب وإلا لاقتصر على اللفظ الأول.
ولقائل أن يقول: هذا لا يمنع من كونه كذبا وهو من عطف الخاص على العام وإنما ذكر بلفظ خاص صريح لئلا يتوهم متوهم أنه ليس بكذب وإنه لم يدخل في اللفظ ثم غايته أن يدخل من طريق الظاهر، وقد ثبت أنه كذب باستعمال الكتاب والسنة فوجب القول به ولا تعارض.
وقال بعض أهل اللغة: لا يستعمل الكذب إلا في إخبار عن الماضي بخلاف ما هو به. وإذا قد تبين هذا فإذا أخبر عن وجود شيء يعلمه، أو يظنه جاز وإن علم عدمه أو ظنه لم يجز وكذلك إن شك فيه؛ لأن الشك لا يصلح مستندا للإخبار وسواء طابق الخارج مع الظن أو الشك أو لا.
وقد ذكر الأصحاب أنه يجوز في القسامة العمل بالظن وأنه خبر مؤكد باليمين، وكذا لغو اليمين يجوز أن يحلف بالظن وكذا ما ظنه بخط أبيه من الدين يعمل به ويحلف، وأنه تجوز الشهادة بالملك لمن بيده عين يتصرف فيها تصرف الملاك في المشهور كما لو شاهد سبب اليد مع بيع، أو غيره مع احتمال كون البائع غير مالك والشهادة آكد من الخبر، وأنه يخبر بدخول الوقت بعلم، أو ظن وغير ذلك من المواضع وذلك دليل على أنه يخبر بعلم وظن خاصة وهذا أوضح ودليله مشهور كقوله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار الذين قتل منهم القتيل بخيبر «يحلف خمسون منكم على رجل منهم قالوا أمر لم نشهده فكيف نحلف؟» الحديث.
«وحلف جابر بالله إن ابن صياد الدجال فقال له ابن المنكدر: أتحلف بالله قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكره النبي - صلى الله عليه وسلم -» وذلك في الصحيحين وغيرهما، وقد ظهر من هذا أنه لو أخبر بوجود شيء يظنه فلم يكن جاز أنه كاذب على القول الأول، ولو أخبر به وهو يظن عدمه فكان لم يحرم مع أنه صادق، وأن قول الأصحاب - رحمهم الله - واللفظ للمغني لا كفارة في يمين على ماض؛ لأنها تنقسم على ثلاثة أقسام:
ما هو صادق فيه فلا كفارة فيه إجماعا.
وما تعمد الكذب فيه فهو يمين الغموس
وما يظنه حقا فيتبين بخلافه فلا كفارة.
وذكر في هذين القسمين رواية ظهر أنه لو شك أو حلف على خلاف ما يظنه فطابق أنه لا كفارة؛ لأنه صادق وإن لم يجز إقدامه على اليمين لكن هل يدخل يمينه في خلاف ظنه في الغموس؟
ظاهر كلامهم لا يدخل وقد قال في المغني في مسألة الشهادة المذكورة: الظن يسمى علما قال تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات} [الممتحنة: 1
وخرج من كلامهم إذا لم يطابق مع الشك فإنه ليس بصادق ولم يتعمد الكذب فلا ظن له فيقال إن وجبت الكفارة فيما يظنه فتبين بخلافه فهنا أولى، فظاهر تخصيص هذه الصورة بعدم الكفارة يقتضي الوجوب في غيرها؛ لأن الظن هو المانع من الوجوب وإلا لوجبت لظاهر الآية.
وقد علل في المغني عدم وجوبها في الظن بأنه لم يقصد المخالفة كالناسي وهذا لم يقصد المخالفة مع أن ظاهر قوله: لا كفارة في يمين على ماض أنه لا كفارة في هذه الصورة مع أنه لو أراد الحصر، ووجوب الكفارة فيها لقال إن كان صادقا فلا كفارة وإن لم يكن صادقا فإن تعمد الكذب أو ظن شيئا فبان بخلافه فلا كفارة وإلا وجبت إلا أن يدوم شكه فلا كفارة؛ لأنه الأصل، والأول أظهر.
وقد جزم في المغني وغيره بهذا المعنى في الطلاق فقال: وإن قال أنت طالق إن أخاك لعاقل وكان أخوها عاقلا لم يحنث وإن لم يكن عاقلا حنث كما لو قال: والله إن أخاك لعاقل، وإن شك في عقله لم تطلق؛ لأن الأصل بقاء النكاح فلا يزال بالشك، وإن قال: أنت طالق ما أكلت هذا الرغيف لم يحنث إن كان صادقا ويحنث إن كان كاذبا كما لو قال: والله ما أكلته.
وقال في المغني فيما إذا صالح أجنبي عن المنكر أنه يصير بمنزلة المدعي في جواز الدعوى على المنكر قال: ويشترط في جواز الدعوى أن يعلم صدق المدعي فإن لم يعلم لم يحل له دعوى شيء لا يعلم بثبوته فمراده بالعلم الظن ليتفق كلامه أو يكون في المسألة عنده قولان ذكر في كل مكان قولا بحسب ما رآه في كلام الأصحاب أو ما أداه اجتهاده في ذلك الوقت.
ومن المعلوم أن الوكيل يقوم مقام الموكل؛ لأنه نائبه وفرعه فلا يجوز له دعوى لا تجوز لأصله فلا يدعي إلا ما يعلمه، أو يظنه حقا كما سبق، وكذا قال القاضي في قوله تعالى: {ولا تكن للخائنين خصيما} [النساء: 105] يدل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم لغيره في إثبات حق أو نفيه وهو عالم بحقيقة أمره، وذكر ابن الجوزي هذا ولم يخالفه فدل على موافقته.
وقال ابن عقيل في الفنون: لا تصح وكالة من علم ظلم موكله في الخصومة فظاهره يصح إذا لم يعلم، والظاهر أن مراده بالعلم أيضا الظن وإلا فبعيد جدا القول به مع ظن ظلمه.
فإن قيل ظن التحريم لا يمنع صحة العقد بخلاف العلم به ولا يلزم من هذا أن يخاصم في باطل فلا معارضة بينه وبين ما سبق قيل: ليس المراد من التوكيل وصحته إلا المخاصمة فيما وكله فيه مما يعلمه، أو يظنه باطلا وإلا فكان يمكن تصحيح العقد مع العلم ولا يخاصم في باطل فلا مفسدة في ذلك، وقد دل كلامه على أنه لو شك في ظلمه صحت وخاصم فيه .


{وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا}


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع