مدونة الدكتور محمد محمود كالو


الدين الإبراهيمي الجديد!

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


28/04/2023 القراءات: 217  


الدين الإبراهيمي الجديد!
يروج في هذه الأيام عبارة (الدين الإبراهيمي)، فما هو هذا الدين الجديد؟ وما هدفه والغاية منه؟ وهل ستنجح الدعوة لهذا الدين الجديد؟
إن هذا السلخ والدين الجديد لم يسمع به أحد قبل هذا العصر، وهو ليس طرح فكرةٍ أو دعوةٍ، بل هو مشروع غربي غريب ويهودي مسيس مغلف بغطاء ديني؛ بغية اندماج اليهود في شعوب المنطقة، وإذلال وقهر الأمة الإسلامية، وأنى لهم ذلك!
والزعم بأن إبراهيم عليه السلام على دين جامع للإسلام واليهودية والنصرانية زعم باطل ومعتقد فاسد، فمن حيث التاريخ فإن إبراهيم هو أبو الأنبياء وأسبقهم، ثم تتالت النبوات والرسالات في ذريته، فإبراهيم حينما غادر هذه الحياة لم يكن له صلة باليهودية ولا النصرانية، لأنها متأخرة عنه في الزمن، بل كان حنيفاً مسلماً، وهذه قضية وقف عندها القرآن الكريم حين قال: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران:67]، ويقول تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [آل عمران:65]، فإبراهيم سابق لليهودية والنصرانية.
لقد بدأت فكرة (الدين الإبراهيمي) بالظهور في جامعة (هارفارد)، لتسارع بعد ذلك جامعة (فلوريدا) إلى تبني المشروع، ثم لم تلبث المراكز التابعة لجهاز المخابرات الأمريكية (سي أي أيه CIA) مثل مؤسسة (راند RAND) أنْ دسَّتْ أنْفَها وأخرجت المشروع من ظلمة الأقبية الأكاديمية إلى فضاء السياسة وأضواء الإعلام، لأن المشروع يخدم هدفها، وانبرت عائلة (روكفلر Rockefeller) ملوك الأموال تتبنى الفكرة وتدعمه بالمال، وإذا بوزارة الخارجية الأمريكية تحمل على عاتقها المهمة الدبلوماسية، إذ هذا الدّين الجديد يجعل من "اليهود المحتلّين" أبناء عمٍ للمسلمين والعرب، وهذا ما بتنا نسمعه مؤخراً من إعلاميين وصحافيين عرب، ويعمل أصحاب هذه الدعوة الخبيثة على تكريس وجود ما يسمى بدولة "إسرائيل" والدعوة للتطبيع مع شعبها، على أنّه أحد شعوب الديانات الإبراهيمية .
ثم إن هذا الدين الجديد يساعدهم للبدء في تنفيذ المشروع الكبير، ألا وهو مشروع صفقة القرن، وهو أيضاً الاسم الذي أطلقه الرئيس السابق لأمريكا (دونالد ترمب) على معاهدة التطبيع الإسرائيلية الإماراتية (العقد الإبراهيمي)؛ لذلك كانت البداية مِن الإمارات، إذ هناك بُنِيَ (بيت العائلة الإبراهيمية)، ومن هناك بدأت الدعوة للمشروع، بمباركة من بعض علماء السلاطين.
ولكن هل سينجح هذا المشروع الخبيث؟
أبداً، إن هذا الدين الجديد لا يمكن له أن يقوم أو يدوم مع وجود الإسلام، لأن الإسلام يقوم على التوحيد والوحدانية وإفراد الله تعالى بالعبادة، بينما الشرائع المحرفة قد دخلها الشرك، وخالطتها الوثنية، والتوحيد والشرك ضدان لا يجتمعان.
علاوة على أن هذا المشروع مرفوض لدى المسلمين جميعاً، علمائِهم ودهمائِهم على حدّ سواء؛ فالأمر ليس مجرد مقترح لدين “لا طعم له ولا لون ولا رائحة” كما وصفه شيخ الأزهر، وإنّما هو مُضادّةٌ صريحة لمحكمات الإسلام وثوابته المعلومةِ من الدين بالضرورة، والمعلوم بالضرورة أقوى ثبوتاً من المجمع عليه؛ لأنّه يحظى فوق الإجماع بميزتين:
الأولى: النقل المتواتر، والثانية: أنّه يستوي في علمه العلماء والعامّة؛ لذا لا يحتاج إلى سوق الأدلة، كما قال أبو الطيب المتنبي:
وَلَيسَ يَصِحّ في الأفهامِ شيءٌ إذا احتَاجَ النّهارُ إلى دَليلِ
ونقول لأولئك الذين يدَّعون أن هدف المشروع هو التركيز على المشترك بين الديانات والتغاضي عما يمكن أن يسبب نزاعات وقتالاً بين الشعوب، إن دين الإسلام هو دين التسامح والسلام، ولا يدعو إلى التعايش السلمي مع الآخر فحسب؛ بل يدعو إلى حماية أتباع الديانات الأخرى، وحفظ حقوقهم في الحياة، وممارسة شرائعهم، وحماية أملاكهم وأعراضهم على نحو لم تأت به شريعة أخرى، حيث كان القتل والسحل والاستعباد والتهجير ومحاكم التفتيش نصيب الآخر، والأدلة على ذلك لا تعد ولا تحصى عبر التاريخ، بل إن هذه دعوة لمصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار.
ثم إن المثل يقول: (الذي بجرِّبُ المُجرَّب يكونُ عقلُه مُخَرَّب) فقديماً حاول الإمبراطور جلال الدين أكبر وفي عام 1582، حاول دمج جميع الأديان معًا في دين جديد، أطلق عليه «الدين الإلهي»، وفي سبيل تحقيق غايته، أنشأ ديواناً أطلق عليه «بيت العبادات»، وجمع فيه كبار علماء الديانات المختلفة، وأمرهم بجمع أفضل ما في الأديان، وجمعها في دين جديد، تتلخص أصوله في توحيد الله تعالى، أما عن الطقوس فتشمل طقوسًا من كل الديانات، لكن المشروع باء بالفشل، وعاد جلال الدين أكبر أخيراً ليُلغي كل هذه المظاهر.
وفي يوم الأحد 21 شهر فبراير من عام 2021م، الموافق للتاسع من شهر رجب عام 1442هـ، عقد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورابطة علماء المسلمين، ورابطة المغرب العربي مؤتمراً عنوانه: "موقف الأمة الإسلامية من الديانة الإبراهيمية"، والذي شاركت فيه تسع عشرة دولة، وقد جاء في البيان الختامي:
رابعًا: إن السعي لدعم «اتفاقات إبراهام» للتطبيع والتَّركيع عَبْر تسويقٍ لدينٍ جديدٍ يؤازر التطبيع السياسي هو أمر مرفوض شكلًا وموضوعًا، وأصلًا وفرعًا؛ ذلك أن الأمة المسلمة لم تقبل بالتطبيع السياسي منذ بدأ أواخر السبعينيات من القرن الميلادي الفائت، ولن تقبل اليوم من باب أَوْلَى بمشاريع التطبيع الديني، وتحريف المعتقدات، وقد قال تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ [آل عمران: 83].
خامسًا: إن طاعة أعداء الملَّة والدين في أمر الدين المبتدع، والقبول به، والدعوة إليه- خروج من ملَّة الإسلام الخاتم الناسخ لكل شريعةٍ سبقته، ولن يفلح قوم دخلوا في هذا الكفر الصُّراح!
قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 100].


الدين الإبراهيمي، الدين الجديد،، الدين الإلهي، بيت العبادات، موقف الأمة، اتفاقات إبراهام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع