مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


رَمضْان؛أرواحنا ظَمأى وفَوقَ أكفِّكَ الرَّيانُ(33)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


06/04/2023 القراءات: 252  


تقدم: ما ثبتَ في الصحيحين عن النبي ِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر لهُ ما تقدم من ذنبه» ولأحمد «وما تأخر» وإسنادهُ حسن؛ و «من قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا: غُفر لهُ ما تقدم من ذنبه. ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا: غفر له ما تقدم من ذنبه» زاد النسائي «غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» .
ولأحمد عن عبادة مرفوعًا في ليلة القدر: «من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» . ولابن حبان والبيهقي، عن أبي سعيد مرفوعًا: «من صام رمضان، وعرف حدوده، وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفَّظ منه كفّر ما قبله» . وعن أبي هريرة مرفوعًا: «شهر رمضان، يكفِّرُ ما بين يديه إلى شهر رمضان المقبل» رواه ابن أبي الدنيا.
والتكفيرُ مشروطٌ: بالتحفظ مما ينبغي أن يُتحفَّظ منه؛
والجمهور على أن ذلك إنما يكفِّرُ الصغائر؛ لما روى مسلمٌ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلواتُ الخمس، والجمعةُ إلى الجمعة، ورمضانُ إلى رمضان مكفراتٌ لما بينهنَّ، ما اجتنبت الكبائر» .
وفي تأويله قولان:
أحدهما: أن التكفير مشروطٌ باجتناب الكبائر.
الثاني: أن المراد: أنّ هذه الفرائض: تكفِّرُ الصغائر خاصة؛ وقال ابن المنذر في ليلة القدر: يرجى بها مفغرةُ الذنوب كبائرها وصغائرها؛ وقال غيره: مثل ذلك في الصوم.
والجمهور: على أن الكبائر لا بدّ لها من توبة نصوح؛ وحديث أبي هريرة: يدلُّ على أن هذه الأسباب الثلاثة، كلُّ واحدٍ منها مكفرٌ لما سلف من الذنوب، فقيامُ ليلةِ القدر يقع التكفير به إذا وافقها ولو لم يشعر بها، وأما صيامُ رمضان وقيامُه: فيتوقفُ التكفيرُ بهما على تمام الشهر.
وقيل: يغفر لهم آخر ليلة من رمضان، ويدلُّ عليه: ما رواه أحمد عن أبي هريرة قال: «ويغفر لهم في آخر ليلة، فقيل: يا رسول الله، أهي ليلةُ القدر؟ قال: لا، ولكنَّ العامل إنما يوفَّى أجره إذا قضى عمله» .
وروي: «أن الصائمين يرجعون يوم الفطر مغفورًا لهم، وأن يوم الفطر يسمى يوم الجوائز» . وأخرج البزّارُ عن معاذ مرفوعًا:
«من صام رمضان وصلَّى الصوات الخمس، وحجَّ البيت، كان حقًا على الله أن يغفر له» .
قال الزهري: إذا كان يومُ الفطر وخرج الناس إلى الصلاة اطلع الله عليهم، فقال: يا عبادي، لي صُمْتُم، ولي قمتم، ارجعوا مغفورًا لكم. وقال مورِّق: يرجعُ هذا اليوم قومٌ كما ولدتهم أمهاتهم.
روي عن ابن عباس مرفوعًا: «إذا كان يومُ الفطر هبطت الملائكةُ إلى الأرض، فيقفون على أفواه السِّكك، ينادون بصوت يسمعُه مَنْ خلق الله، إلا الجنَ والإنس، يقولون يا أمة محمد، أخرجوا إلى ربّ كريم، يعطي الجزيل، ويغفر الذنب العظيم. فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله - عز وجل - لملائكته: ما جزاءُ الأجير إذا عمل عمله؟ فيقولون: إلهنا وسيدنا أن يوفّى أجره. فيقولُ: إني أشهدكم أنِّي جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي، ارجعوا مغفورًا لكم» خرّجه سلمة بن شبيب.
زاد البيهقي: «يا عبادي، فوعزتي وجلالي لاتسألوني اليوم شيئًا في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم، فوعزتي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزّتي وجلالي لا أخزيكم، ولا أفضحكم بين أصحاب الحدود، انصرفوا مغفورًا لكم، قد أرضيتموني ورضيت عنكم، فتفرحُ الملائكةُ وتستبشرُ بما يعطي اللهُ هذه الأمة إذا أفطروا من شهر رمضان» .
الصيامُ وسائر الأعمال: من وفَّاها فهو من خيار عباد الله الموفين، ومن طفّف فيها فويل للمطففين، إذا كان الويلُ لمن طفَّف ميكال الدنيا. فكيف حالُ من طفّفَ ميكال الدِّين؟
غدًا توفّى النفوسُ ما عَمِلت ... ويحصدُ الزَّارعُونَ ما زرعوا
إِن أحسنوا أحسنوا لأنفسِهمُ ... وإن أساءُوا، فبئْسَما صنعوا
كان السلفُ الصالحُ: يجتهدون في إتمام العمل، وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعدَ ذلك بقبوله: ويخافون من ردِّه، وهؤلاء الذين يُؤتُون ما آتو وقلوبهم وجلة، رُوي عن عليٍّ رضي الله عنه: «كُونُوا لقبول العمل أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعُوا الله - عز وجل - يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} » .
وعن فضالةَ: لأن أعلم أن الله تقبّل مني مثقال حبةِ خردلٍ، أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها، لأن الله تعالى يقول:
{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} .
وقال مالك بنُ دينار: الخوفُ على العمل أن لا يُقبل أشدُّ من العمل. وقال عطاءٌ السلميُّ: الحذر الاتقاء على العمل الصالح أن لا يكون لله.
وقال عبد العزيز بن أبي رَوَّاد: أدركتُهم يجتهدُون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمُّ: أتُقُبِّلَ منهم أم لا؟ قال بعض السلف: كانوا يدعون الله ستة أشهرٍ أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
وكان بعض السلف يظهرُ عليه الحزنُ يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يومُ فرح وسرور فيقول: صدقتم. ولكني عبدٌ أمرني مولاي أن أعمل له عملاً، فلا أدري أيقبله مني أم لا؟
رأى وهيبٌ قومًا يصحكون يوم عيدٍ، فقال: إن كان هؤلاء تُقُبِّل منهم صيامُهم، فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يُتقبل منهم فما هذا فعل الخائفين.
وعن الحسن قال: إن الله جعل رمضانَ مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبقَ قومٌ ففازوا، وتخلَّف آخرون فخابوا، فالعجبُ من اللاّعب الضاحك في اليوم الذي يفوزُ فيه المحسنون، ويخسرُ فيه المبطلون.
روي عن علي رضي الله عنه: أنه كان ينادي في آخر ليلةٍ من رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبولُ فنهنيه، ومن هذا المحرومُ فنعزِّيه؟ أيُّها المقبولُ: هنيئًا لك، أيُّهَا المردودُ: جبر اللهُ مصيبتك.
شهرُ رمضان تكثر فيه أسبابُ المغفرة والغفران؛ فمن أسباب المغفرة فيه: صيامُه وقيامُه؛ وقيامُ ليلة القدر. ومنها:
تفطيرُ الصّوامِ، والتخفيف عن المملوك. ومنها: الذكرُ. وفي حديث مرفوع «ذاكرُ الله فيه مغفورُ له. وسائلُ الله فيه لا يخيبُ» .


رَمضْان؛أرواحنا ظَمأى وفَوقَ أكفِّكَ الرَّيانُ(33)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع