مدونة عبدالحكيم الأنيس


جولة في رحاب الإمام النووي (2)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


18/12/2024 القراءات: 110  


وفي "تحقيق النظر في حكم البصر" (ص: 57-59): "حَـكـى بـعـضُ الفضلاء أن الشـيخ الإمـام العـالم محيي الديـن النووي رحمه الله كان يُسمَعُ عليه الحديثُ بمسجد دمشق، فقعد يومًا للإسماع وقعد أمامه شابٌّ حسنٌ من أولاد دمشق في جملة السامعين للحديث، فلما رآه الشيخُ جعل رأسه تحته على خلاف عادته، قال: وكان يومًا حارًّا، وكان عرقُه يجري حتى ابتل ثوبُه وهو لاق رأسه في ثوبه حتى انقضى المجلس. قال: ولم يَعرف الجماعةُ السبب لذلك، فلما كان من الغد جاء ذلك الشابُّ وقعد بموضعه بالأمس، ففعل الشيخُ فعله بالأمس، فتشوش الحاضرون لذلك، فلما كان في المجلس الثالث أقاموا الصبيَّ من مقابلة الشيخ وأقعدوه بموضع لا يبصره، فلم يعد الشيخُ إلى تغطية وجهه، فعلموا أنَّ السببَ لذلك إنما هو قعود الشاب كذلك والله أعلم".
***
-السبكي والنووي:
قال التاج السبكي في "ترشيح التوشيح وترجيح التصحيح (ق 11): عن والده التقي:
"ما زال -رحمه الله- كثيرَ الأدب معه [مع النووي] والمحبة فيه والاعتقاد. قال لي مرات: ما ‌اجتمعَ ‌بعد ‌التابعين المجموعُ الذي اجتمع في النووي، والتيسيرُ الذي يسّر له. ورافقَ مرة في مسيره وهو راكبٌ على بغلةٍ شيخًا ماشيًا فتحادثا فوقع في كلام ذلك الشيخ أنه رأى النووي، ففي الحال نزل عن بغلته وقبَّل يد ذلك الشيخ العامي الجلف [كذا تعبير التاج!] وسأله الدعاء، ثم دعاه أن يُردفه خلفه، وقال: لا أركب وعينٌ رأتْ وجه النووي تمشي بين يدي أبدًا.
ولقد سكن دارَ الحديث الأشرفية، وكان يخرج في الليل يتهجد تجاه الأثر الشريف ويمرغ خده فوق البساط الذي يُقال إنه مِن زمان الواقف، ويُقال إن النووي كان يدرس عليه. وأنشدني لنفسه في ذلك:
‌وفي ‌دار ‌الحديث ‌لطيفُ معنى … على بُسط لها أصبو وآوي
عسى أني أمس بحر وجهي … مكانًا مسه قدم النواوي
فهذه حاله معه".
***
-عمامة النووي:
جاء في ترجمته في "تذكرة الحفاظ" للذهبي (4/ 174): «ملبسه ثوب خام، وعمامته ‌شبختانية صغيرة».
ونَقلَ عنه الشيخ عبدالغني الدقر في "الإمام النووي" (ص: 149) ط4، والشيخ محمد الحجار في مقدمة "بستان العارفين"، (ط 2، 1399، دار المعارف للطباعة)، وجاء النص (ص: 6): "وعمامته سبجلانية".
ونقل عنه أبو غدة في "العزاب" (ص: 94) من ط 1، و(ص: 149) من ط 4.
وكذا في كتاب السخاوي المطبوع (ص: 39) مرتين. و"المنهاج السوي" (ص: 47).
ونُقل عنه في صدر شرح صحيح مسلم (1/و): سبجانية.
وفي "تاريخ الإسلام" للذهبي (50/ 256): "قلت: وكان في ملبسه مثل آحاد الفقهاء الفقراء من الحوارنة لا يؤبه به، عليه شبختانية صغيرة". وفيه طبعة دار الغرب (15/ 332): «عليه ‌شبحتانية صغيرة».
وفي ترجمة النووي المنقولة من "سير أعلام النبلاء" في صدر "فتاويه" (ص ي) جاء قول الذهبي: "وشيخانيته لطيفة"، وعلق محققُ الفتاوى بقوله: أي عمامته.
ولفظ "شبختانية" جاء في "الفتوحات الوهبية" للشبرخيتي: عمامة سنجابية.
وفي "المنهل العذب الروي" نسخة الشاملة ص 29: وشيخنانية لطيفة.
قلت: والصواب كما قال الشيخ عبدالفتاح أبو غدة: سختيانية، وهي قلنسوة من جلد الماعز المدبوغ.
وبهذا (أي سختيانية) جاءت في «المهمات في شرح الروضة والرافعي» (1/ 323)، و«مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» (1/ 113)، و«قيمة الزمن عند العلماء» (ص: 73).
وفي «اللباب في تهذيب الأنساب» (2/ 108): «‌السَّخْتِياني: هذه النسبة إلى عمل السختيان وبيعه وهو الجلود الضأنية ليس بأدم».
***
-عمامته أيضًا:
حكى اليافعي في آخر الحكاية الثانية والثمانين بعد الأربع مئة من "روض الرياحين" فيما بلغه: أن الشيخ خَطف سارقٌ ‌عمامته وهربَ، فتبعه الشيخُ، وصار يعدو خلفه ويقول له: ملّكتك إياها، قلت: قبلتُ قبلتُ، والسارق ما عنده خبرٌ من ذلك!
***
-إجازة بالأربعين النووية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ: فيقول الفقيرُ إلى عفو الله تعالى عبدالحكيم بن محمد الأنيس: أروي كتاب (الأربعين في مباني الإسلام، وقواعد الأحكام) للإمام أبي زكريا يحيى النووي بالسند المتصل إلى مؤلفها عن عددٍ من شيوخي، أقتصرُ على إيراده من طريق: أستاذنا العلامة الشيخ عبدالكريم الدَّبَان التكريتي (1413)، عن شيخه العلامة داود بن سلمان التكريتي (1360)، عن العلامة مفتي بغداد عبدالسلام الشوّاف (1318)، عن العلامة عيسى صفاء الدين البَنْدنيجي (1283)، عن الإمام المحدث عبدالرحمن الكُزبري الحفيد (1262)، عن الإمام مصطفى الرحمتي الدمشقي ثم المدني (1205)، عن الشيخ المحدث عبدالغني النابلسي (1143)، وهو عن شيخين:
الأول: الإمام نجم الدين الغزي الدمشقي (1061)، عن والده الإمام بدر الدين الغزي (984 ).
والثاني: الإمام عبدالله بن سالم البصري (1134)، عن الإمام محمد البابلي (1077)، عن الإمام سالم السنهوري (1015)، عن المسند محمد بن أحمد الغيطي (981).
كلاهما (الغزي والغيطي) عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري (926)، عن شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر (852)، عن الإمام إبراهيم بن أحمد التنوخي البعلي (800)، عن الإمام المحدث علي بن إبراهيم بن العطار (724)، عن الإمام شيخ الإسلام أبي زكريا يحيى النووي (676) بأسانيده إلى أصحاب الكتب الحديثية التي اعتمدها في كتابه الأربعين.
وأجزتُ لـ.... أنْ يروي عني كتاب الأربعين للنووي بالشروط المعتبرة، عند أئمة الحديث التي هي في مصنَّفاتهم مقررة محررة، ومِنْ جملتها: التثبتُ التام في معرفة الحق والصواب من الأحكام، وضبط ُألفاظ الأحاديث الشريفة، إمَّا بسماعها من الشيوخ المعتبرين، أو الرجوعِ إلى الشروح المحررة، وعدمُ الاعتماد في النقل إلا على الكتب المتواترة نسبتُها إلى مصنِّفيها المشهورين، المطبوعةِ بعد المقابلة على أصولٍ معتبرة، المصححةِ بمعرفة العلماء المتقنين.
ولا آذن بإقراءٍ أو إفادةٍ للخصوص والعموم إلا بهذه الشروط وما شاكلها ممّا فيه كمالُ التثبت....


النووي. فوائد العلماء. التاريخ العلمي. التراث الإسلامي. دمشق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع