مدونة سعد رفعت سرحت


المقصدية والمقبولية وبناء القارئ عند ابن القيم(المتكلّم دالٌّ بكلامه،وكلامه دالٌّ بنظامه)

سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat


30/04/2023 القراءات: 350  




(العادة والألفة)بهذه الثنائية_تقريبًا_ يتحدّد تصوّر ابن القيم لثنائية (المقصدية والقبولية)في نظرية النص المعاصرة،

يريد ابن القيم ب"عادة المتكلّم"طريقته في القول و اعتياده على أساليب معينة في مجاري كلامه ومخاطباته.و إزاء ذلك يعرف السامع مقاصد المتكلم باطّراد استعماله تلك الأساليب، وهنا يبرز لدى ابن القيم مفهوم"الألفة"وإن لم يصرّح به بهذه الصيغة،فالسامع إذا ما ألِف من المتكلم ألفاظه أو ألف منه اضطراده في استعمال تلك الألفاظ في معاني معينة،اعتاد هو الآخر على فهم طرقه وأساليبه في التعبير،ف((كلّما كان السامع أعرف بالمتكلم وصفاته وقصده وبيانه وعادته كانت استفادته للعلم بمراده أكمل وأتم))[الصواعق:٢٣١]



...نقوم أولا بعرض مفهوم المقصدية والقبولية لدى نحاة النصّ بإيجاز،ثم نحاول ربطه بتصورات ابن القيم،


المقصدية والمقبولية معياران من معايير النصّ وترتيبهما الرابع والخامس لدى ديبوجراند،ولكليهما مفهومان: أحدهما بنائي يتعلق باتساق النص وانسجامه،أي بطرق بنائه وفق خطة أو سياسة معينة.أمّا المفهوم الآخر فمفهوم تداولي يتعلّق بطرفي الحوار ومدى اندماجهما و ما بينهما من ألفة وشراكة لانجاح عملية الاتصال،و إلى ذلك تفضي ثنائية القصد والقبول إلى ضرورة وجود توقعات مشتركة تتعلق بسلوك المنشئ وهو يبني نصه من جهة،و تتعلق بمقدرة المستقبِل على استنتاج دلالات النص .


#أولًا:المقصدية
المفهوم البنائي للمقصدية_وفق ديبوجراد_يتعلق بمرعاة الشكل البنيوي للمرسلة،أي((بموقف منشيء النص من كون صورة ما من صور اللغة قصد بها أنْ تكون نصًّا يتمتع بالسبك والالتحام،وأنّ هذا النص وسيلة من وسائل متابعة خطة معينة))


على حين يتعلق المفهوم التداولي إلى الطرق التي يتخذها المنشيء لتكوين مرسلة يحقّق فيها مقاصده،أي الكيفية التي ترتبط بها المنطوقات بمراد صاحب النص.


#ثانيًا:المقبولية


لا يختلف المفهوم البنائي للمقبولية عن مفهومه للمقصدية،فهو يتعلق بمستقبِل النص من أنّ صورة ما من صور التعبير أصبحت مقبولة لديه نظرًا لما فيه من ترابط على صعيدي السبك والحبك.وبعبارة أخرى يتعلق هذا المفهوم((بموقف المتلقي لتوقع نص مترابط ومتماسك)).


وعلى الصعيد التداولي تحيل المقبولية على النشاط التعاوني بين طرفي الاتصال،فالمنشيءيراعي حالة المستقبل ويجنح إلى اختبار مكونات تلائم استعداداته.


غير أنّ نحاة النصّ المعاصرون ينفتحون على نتاجات نظرية القراءة وجماليات التلقي،و يستعينون بمفاهيم (كسر الألفة، و وجهة النظر الجوالة)وإلى غير ذلك حين تصادفهم النصوص الجمالية،فهم جميعا يراعون ما في النصوص في أحايين كثيرة من مباغتة وكسر للألفة،ومن ثمّ حاجة المتلقي إلى الاستعانة بموجهات قرائية تعينه على استيعاب هذا التوتر الحاصل في بنية النص، يقول فانديك((إنّ منتج النص يقوم أحيانًا متعمدًا بإفساد التماسك المعنوي للنصّ بغية الوصول الى نتيجة ما ولا يؤدي ذلك إلى فقدان النصّ للتقبلية)).


وفضلًأ عن ذلك يقرّ نحاة النص بإمكان أنْ يقوم النص ذاته بمهمة بناء قارئه،ذلك أنّ النصوص قد تقوم بدور المعين لقراءته فتخفف على القارئ استيعابه،ولهذا يرى امبرتو إيكو أنّ أيّ كتاب يعمل على بناء قارئه منذ الصفحات الأول،فهذه الصفحات هي التي تصنع الألفة و تتكفّل بإرشاد القارى وتوجيهه وتهيئته لما سيأتي بعدُ


#أين ابن القيم من كلّ ذلك؟.


يبدو أنّ تصورات ابن القيم تقارب ما قيل عن معياري القصد والقبول في الأدبيات المعاصرة إلى حدّ ليس بالهين،إذ يرى ابن القيم أنّ القرآن الكريم نصّ صريح دالّ على معناه دلالة لا تحتمل غيرها بوجهٍ من الوجوه●. ذلك أنّ دلالة اللفظ هي العلم بقصد المتكلّم به، لأنّ دلالة القرآن والسنة على معانيهما من جنس دلالة لغة العرب،فإذا كان كل قومٍ يتوقف علمهم بمدلول ألفاظهم على كونهم من أهل تلك اللغة،فإنّ فهم القرآن الكريم يتوقف على ما يعرفه القوم و يعتادونه من لغتهم التي وقع بها التخاطب بينهم .


يقصد ابن القيم بالدلالة أمران:أولهما((نقل الدال)) أي النطق به أو إيصاله الى متلقٍ،والآخر(( كون اللفظ بحيثُ يُفهم معنى))أي الحالة التي يكون عليها اللفظ قصدا ليُفهم منه معنى،وهو بهذا يكون على مقربة من نحاة النص حين يتحدثون عن الصورة التي أراد المتكلم أن يكون عليها نصّه،،ولهذا يقول:((المتكلّم دالٌّ بكلامه،وكلامه دالٌّ بنظامه)) أي أنّ الكلام دالٌّ بالهيئة أو الصورة التي يكون عليها،و مدار هذا الأمر هو معرفة عادة المتكلم في الكلام التي تغدو مألوفة لدى المتلقي،فمن((ذلك يعرف من عادة المتكلم في ألفاظه، فإذا كانت عادته أنّه قصد بهذا اللفظ هذا المعنى،علمنا متى خاطبنا به أنه أراده))[الصواعق:٢٣].


فالمخاطب يهضمُ عبارة المتكلم حين يألف طرقه وأساليبه في القول،وكلّما قويت ألفته قوي لديه إمكانات الاستدال القطعي وأصبحت دلالات النص معهودة لديه، ومن ثمّ تقلصت لديه موجبات الاحتمال الدلاليّ،لأن الكلام((متى عُرف موضوعُه وعُرف عادة المتكلم أفاده ذلك القطع))[٢٣٠]


ولم ينس ابن القيم الإشارة الى إمكان نزوع المتكلم قصدًا إلى التلبيس والإلغاز،وحمل اللفظ((على معنى لم يُعهد استعماله فيه البتة))فذلك ممّا يجوز في ضروب من الخطابات،ولكنْ على الرغم من كون ذلك واردًا،فإنّ من يجنح إلى ذلك قصدًا((عُدّ ملبسًا مدلسًا لا مبينًا مفهمًا))أمّا الكتاب والسنة فليس فيهما شيء من ذلك البتة،لأنّ ذلك يستحيل ((على الله ورسوله أعظم استحالة،وإنْ جاز على أهل التخاطب فيما بينهم))


ينبغي أنْ نضع في الحسبان أن ابن القيم لا يتحدّث عن آثار أدبية إبداعية بصورة خاصة،وإنّما يتحدث عن القرآن الكريم والسنة النبوية وإمكان تأويلهما وفق رؤية إيجابية لدلالاته،وهي رؤية وثوقية قطعية تعبّر عن وجهة نظر المدرسة النصيّة في التراث الإسلامي،إذ تنظر هذه المدرسة إلى الدلالة نظرة إيجابية،أي تؤمن بقدرة اللفظ على الدلالة بنفسها على المراد،ومن هنا فهي تحفل بالوضوح والألفة وتقدّم الدلالة التعيينية على الدلالة التضمنية،فعند


المقصدية والمقبولية عند ابن القيم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع