مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


أنتم تقيسون فرعًا على أصل ليس بينهما أي تماثل

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


23/01/2023 القراءات: 285  


قياس فاسد:
ومن أقيستهم العقلية الفاسدة التي يلبسون بها على العوام قولهم: إنما مثل من يتكلم في هذه القشور والفرعيات والأعداء محدقون بنا، كمثل رجل قائم على الشاطىء، وشخص يعالج الأمواج يوشك أن يغرق وقد لبس خاتمًا من ذهب، فيهتف الأول بالثاني منكرًا عليه لُبْسَ خاتَمِ الذهب غيرَ مبالٍ بالخطر المُحْدِقِ به، والذي يكاد أن يُودِىَ بحياته (1).
وجواب هذا أن يقال:
أنتم تقيسون فرعًا على أصل ليس بينهما أي تماثل، والأصل المقيس عليه حالة ضرورة فلا شك يقدم دفع الضرر الأكبر الذي هو تلف النفس على المنكر الأصغر الذي هو لبس الرجل خاتمًا من ذهب، فكذا إذا دهمنا الأعداء ننفر جميعًا لمواجهتهم دون التفات إلى خلافات فرعية انشغالًا بالمنكر الأكبر.
أما الفرع المقيس وهو وضع مجتمعاتنا في هذا الزمان فلا شك أنه في بلادنا -على الأقل- دون حالة الضرورة التي فيها تتلف الأنفس والأديان ويهلك الحرث والنسل، وينفر المسلمون نفيرًا عامًّا بما فيهم الشيوخ والنساء ... وقد يُسْتَنْكَرُ هذا الكلام لأول وهلة، أو يساءُ الظنُّ بقائله، ولكني آتي بالدليل عليه من واقع حياة المعترضين أنفسهم، فأقول: هل واقع حياتكم مثل واقع رجل قد ألقى بنفسه في المخاضة، لا يلوى على شيء لينقذ غريقًا يصارع الأمواج ويوشك على الغرق؟ وهل هو واقع قوم أتاهم النذير، ونودي فيهم بالنفير العام؟
لماذا إذن تحيون حياة رتيبة هنيئة تتمتعون فيها بالحاجيات بل الكماليات والتحسينيات، تطعمون الفواكه، وتتنعمون في الفرش، وتتنزهون في المتنزهات، وكل هذا لا يُنْكَرُ عليكم، ولا تستنكرونه من غيركم قائلين: " إن الِإسلام مُهَدَّدٌ في وجوده، والمسلمين مضطهدون، وأنتم تأكلون الفواكه، وتتنعمون بالفرش، وتتنزهون في المتنزهات "!
فلماذا إذًا تضعون العوائق في طريق السنة، وتضربون لها الأمثال، وترهقون عقولكم في استخراج أمثال هذه الأقيسة العقلية الفاسدة، أفكانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهون عليكم من هذه التفاهات الدنيوية؟!
أفلا يردعكم عن هذا التثبيط قولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: " بَلِّغوا عني ولو آية " (1)، ولا قوله - صلى الله عليه وسلم -: " نَضَّرَ الله امرءًا سمع منا حديثًا، فحفظه حتى يبلغه غيره " (2) الحديث، ولا قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: " دعوا السنة تمضي، لا تعرضوا لها بالرأى "؟!
ولا قول سفيان: " استوصوا بأهل السنة خيرًا، فإنهم غرباء ".
ولماذا لا تصرفون جهدكم إلى محاربة المعاندين للسنة المجادلين بغير الحق عن البدع؟ لقد ضرب لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلًا هو أصدق من قياساتكم الفاسدة حين قال: " مَثَلُ القائم على حدود الله، والمُدْهِنِ فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضُهم أعلاها، وأصاب بعضُهم أسفلَها، فكان الذين في أسفلِها إذا استقَوْا من الماء مَرُّوا على من فوقَهم، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا، فقالوا: " لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذِ مَن فوقنا؟ "، فإن يتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم، نَجَوْا ونَجَوْا جميعًا " (1).
فالسكوت على المنكرات سواء في فروع أو أصول، ظاهر أو باطن سبب من أسباب نزول العقوبات العامة وعموم الفتنة والعذاب.
...


أنتم تقيسون فرعًا على أصل ليس بينهما أي تماثل


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع