مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي


حق الطفل في التعليم في الشريعة والقانون

د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a


15/01/2023 القراءات: 1832  


غني عن البيان ان للعلم منزلة عظيمة في القوانين وفي الشريعة الاسلامية قال تعالى(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)الزمر/9لهذا فرض الإسلام التعليم على الرجال والنساء على حد سواء فقال صلى الله عليه وسلم"طلب العلم فريضة على كل مسلم"ابن ماجةكماأمر الإسلام بتعليم الاولاد وتأديبهم وحثهم على التعلم ولم يجعله مجرد حق لصاحبه بل هو واجب وفرض وليس واجبا دنيويا وقضائيا في الدنيا يسال عنه امام الدولة والسلطة فحسب بل هو فرض ديني يسال عنه في الدنيا والاخرة
وهكذا بدأ التعليم المجاني في الاسلام من المساجد ثم فتحت الكتاتيب بجواره لتعليم الصغار والاطفال ولمنع الاساءة الى اماكن العبادة ومن ثم فتحت المدارس الرسمية والنظامية لقوله عليه الصلاة والسلام"من سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله به طريقا الى الجنة"الترمذي فبالعلم انشأ المسلمون اعظم حضارة في التاريخ فكانوا سادة للعالم فتألق مجدهم وعظم شأنهم فالعلم والتعلم ضروريان للعمران البشري والعلوم انما تكثر حيث يكثر العمران وتنظم الحضارة ثم اهمل المسلمون العلم في العصور الاخيرة وجمد فكرهم وانقطع الاجتهاد ووقعوا في سبات عميق
وبدأت الحركة العلمية بالصعود في اوربا في نهاية العصور الوسطى في القرن الخامس عشر الميلادي وبعدما كان العالم القديم يسوده الجهل والامية واخذت اوربا علم العرب والمسلمين وحضارتهم فطورتها حتى سادت العالم بالعلم والقوة وبهذاارتبط التعليم بالحريات التي انطلقت في القرن الثامن عشر وبصحوة الشعوب ومع شدة تكاليف التعليم اتجهت الدول الى تبني فتح المدارس وخاصة لإلزامية التعليم في المراحل الاساسية ثم في مجانيته وتوفيره على مختلف الاصعدة والمستويات
واصبحت تنص المقررات والاتفاقيات العالميةحول حقوق الطفل على اعتبار التعليم حقا من حقوقه التي يلزم توفيرها له مؤكدة في الوقت عينه على الزامية التعليم في المرحلة الابتدائية على الاقل مع تشجيعها على تطوير اشكال التعليم الثانوي سواء العام او المهني واتاحة ذلك لجميع الاطفال كما ابدت القوانين على الصعيدين الداخلي والخارجي الدولي والمتمثلة في الاتفاقيات والاعلانات العالمية والمواثيق الدولية اهتماما بالغا بتعليم الطفل فكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام1948من ابرزها حيث تعرضت المادة/26منه على انه"لكل شخص الحق في التعليم ويجب ان يكون التعليم في مراحله الاولى والاساسية على الاقل بالمجان وان يكون التعليم الاولي الزاميا وينبغي ان يعمم التعليم الفني والمهني وان ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى اساس الكفاءة"ثم جاءت الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فأكدت هذه المادة والاحكام في المادة/13منها ثم انشأت منظمة الامم المتحدة هيئة اليونسكو فيها لرعاية الامور التعليمية والثقافية
وفي مقابل ذلك كان الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان عام1981 قد صبغ نصوصه بالفكر الاسلامي السابق عن العلم واكد على وجوب مساعدة الدولة والمؤسسات للعملية التعليمية وخاصة بعد التكاليف الباهظة التي وصلت اليها اقساط الدراسة في المعاهد والجامعات فنصت المادة/7منه على انه"أ-لكل طفل منذ ولادته حق على الابوين والمجتمع والدولة في الحضانة والتربية والرعاية المادية والعلمية والادبية كما تجب حماية الجنين والام اعطاؤهما عناية خاصة"ونصت المادة/9منه على ان"أ- طلب العلم فريضة والتعليم واجب على المجتمع والدولة وعليها تامين سبله ووسائله وضمان تنوعه بما يحقق مصلحة المجتمع ويتيح للإنسان معرفة دين الاسلام وحقائق الكون وتسخيرها لخير البشريةب-من حق كل انسان على مؤسسات التربية المختلفة من الاسرة والمدرسة والجامعة واجهزة الاعلام وغيرها ان تعمل على تربية الانسان دينا ودنيويا تربية متكاملة ومتوازنة تنمي شخصيته وتعزز ايمانه بالله واحترامه للحقوق والواجبات وحمايتها"ونؤيد ماجاء في هذا الاعلان قلبا وقالبا ونرى انها جاءت للتذكير بوجوب ان تكون التربية المتوازنة بين الاتجاه الديني والدنيوي تطبيقا لقوله تعالى(وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الاخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا)القصص/77
وخلاصة القول فان الاسلام من جهته يؤيد هذه الاتفاقيات الهادفة الى انهاء حالة الامية بل انه كان سباقا الى اعتبار ذلك في اطار رؤيته الهادفة الى تطوير مستوى الامة وتحسين ظروفها فهو واضحا في اعتبار التعليم حقا للطفل وذلك فيما روي عنه صلى الله عليه وسلم"من حق الولد على والده ثلاثة يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه اذا بلغ"وهذايعني تعليمه الكتابة والقراءة والقرآن والآداب وكل مايضطر الى معرفته من الامور الضرورية لأنه عون له على الدنيا والدين والحديث فيه اشارة الى ضرورة تعليم الاباء ابنائهم من ماله ثم على ابيه وان علا ثم امه وان علت فانه بذلك يحفظ عليه شطر دينه وهذا كله من الحقوق المندوبة ووراء ذلك حقوق واجبة كتعليمه الصلاة كماقال صلى الله عليه وسلم"مثل الذي يتعلم في صغره كالنقش في الحجر ومثل الذي يتعلم في كبره كالذي يكتب على الماء"
ونستنتج من هذه القراءات ان هناك ارتباط واضح بين الصحة الجيدة والتعليم فالعلاقة طردية والارتباط وثيق بين الحق في التعليم للطفل والحق في الرعاية الصحية له فان الصحة الجيدة تؤدي الى التعلم الجيد والتعلم الجيد يؤدي الى الصحة الجيدة كما نخلص الى ضرورة توجيه المسألة التعليمية لتكون عملية هادفة ومقرونة بالتهذيب والتزكية وضرورة التأكيد على العلاقة التفاعلية بين العلم والاخلاق هذه العلاقة التي تجعلهما يتحركان في خط واحد هو خط العلم الهادف المرتكز على الاخلاق الواعية التي لا تنفصل عن العلم والمعرفة كمانوصي بضرورة عدم التعامل المادي الصرف مع المسالة التعليمية واقصاءها عن القيم الاخلاقية كما هو حاصل في المناهج التعليمية الغربية فادى ذلك الى انحسار مساحة المبادئ الانسانية والمعنوية وغلب الجانب النفعي والتجاري على الجانب الانساني خاصة بعدما تسللت هذه الروحية النفعية الى مناهجنا التعليمية في عالمنا وأخر دعواناأن الحمد لله رب العالمين


حق الطفل التعليم الشريعة القانون


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع