مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة السيرة النبوية 🔻قسمة الغنائم

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


20/03/2023 القراءات: 878  


سلسلة السيرة النبوية

🔻قسمة الغنائم

لما عاد رسول اللْه صلى الله عليه وسلم بعد رفع الحصار عن الطائف مكث بالجعرانة بضع عشرة ليلة لا يقسم الغنائم، ويتأني بها، يبتغي أن يقدم عليه وفد هوازن تائبين فيأخذوا أموالهم ، ولكنه لم يجئه أحد، فبدأ بقسمة المال، ليسكت المتطلعين من رؤساء القبائل وأشراف مكة، فكان المؤلفة قلوبهم أول من أعطي وحظي بالأنصبة الوافرة من الغنائم ليؤلف قلوبهم للإسلام ‏.‏


فأعطي أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل، فقال‏:‏ ابني يزيد‏؟‏ فأعطاه مثلها، فقال‏:‏ ابني معاوية‏؟‏ فأعطاه مثلها، وأعطي حكيم بن حزام مائة من الإبل، ثم سأله مائة أخري، فأعطاه إياها‏.‏ وأعطي صفوان بن أمية مائة من الإبل، ثم مائة ، وأعطي الحارث بن الحارث بن كَلَدَة مائة من الإبل، وكذلك أعطي رجالا من رؤساء قريش وغيرها مائة من الإبل

وقد استمالت هذه الأعطيات قلوب هؤلاء الزعماء وأتباعهم فأظهروا الرضا بها وزادتهم رغبة في الإسلام، ثم حسن إسلامهم جميعاً فأبلوا في الإسلام بلاء حسناً وخدموه بأنفسهم وأموالهم

قال أنس بن مالك: "إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها" مسلم
وقد عبر بعض المؤلفة قلوبهم عن أثر ذلك فقال صفوان بن أمية :"لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي، فما ربح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي" مسلم


وقد تأثر بعض المسلمين في بداية الأمر لعدم شمولهم بالأعطيات فكان لابد من بيان الحكمة لهم في ذلك. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم موضحا: "والله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إليَّ من الذي أعطي، ولكن أعطي أقواماً لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير" البخاري
وقال: "إني لأعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتألفهم"
وقال: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار" البخاري

وشاع في الناس أن محمداً عليه الصلاة والسلام يعطي عطاءً، ما يخاف الفقر، فازدحمت عليه الأعراب يطلبون المال حتى علق رداؤه بغصن شجرة فقال‏:
"أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاة - شجر الشوك وكان يملأ المكان - نعماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً" البخاري
ثم أخذ وبرة من سنام بعير وقال: "والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم"


وأظهر بعض الأعراب المشتركين في غزوة حنين جفاءً وغلظة عند قسمة الغنائم بالجعرانة، فقال أحدهم مخاطباً الرسول عليه الصلاة والسلام: "اعدل، فقال: "شقيت إن لم أعدل" البخاري
وقد غضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كلام الأعرابي فطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بقتله، فأبى عليه وقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي" مسلم تضايقت الأنصار من قسمة الغنائم على المؤلفة قلوبهم والأعراب ولم يكن لها فيها نصيب
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏:‏ لما أعطي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وَجَدَ (تضايق) هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القَالَة(المقالة )ُ، حتى قال قائلهم‏:‏ لقي واللّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قومه

فدخل عليه سعد بن عبادة فقال‏:‏ يا رسول اللّه، إن هذا الحي من الأنصار قد وَجَدُوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء(المغانم ) الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء‏.
قال‏:‏ ‏(‏فأين أنت من ذلك يا سعد‏؟‌‏)‏ قال‏:‏ يا رسول اللّه، ما أنا إلا من قومي‏
قال‏:‏ ‏(‏فاجمع لي قومك ‏)‌‏

فخرج سعد فجمع الأنصار، فجاء فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال‏:‏ لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحمد اللّه، وأثني عليه، ثم قال‏:‏
(‏يا معشر الأنصار، ما قَالَه(مقالة )ٌ بلغتني عنكم، وَجِدَةٌ وجدتموها على في أنفسكم‏؟‏ ألم آتكم ضلالاً فهداكم اللّه‏؟‏ وعالة فأغناكم اللّه‏؟‏ وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم‏؟‌‏)‏
قالـوا‏:‏ بلـي، اللّه ورسولـه أمَنُّ (له المنة والفضل) وأفْضَلُ‏.‏


ثم قال‏:‏ ‏(‏ألا تجيبوني يا معشر الأنصار‏؟‌‏)‏ قالوا‏:‏ بماذا نجيبك يا رسول اللّه‏؟‏ للّه ورسوله المن والفضل‏
قال‏:‏ ‏(‏أما واللّه لو شئتم لقلتم، فصَدَقْتُمْ ولصُدِّقْتُمْ‏:‏ أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسَيْنَاك‏)‌‏.‏
‏(‏أوَجَدْتُمْ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لَعَاعَة(شئ حقير)ٍ من الدنيا تَألفَّتُ بها قوماً ليُسْلِمُوا، ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم‏؟‏ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم‏؟‏ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللّهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار‏)‌‏.‏

فبكي القوم حتى أخْضَلُوا لِحَاهُم وقالوا‏:‏ رضينا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم قَسْمًا وحظاً، ثم انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وتفرقوا‏.‏


فلما وضحت لهم الحكمة من التوزيع، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وكلهم إلى إيمانهم، فهم مثال للتضحية والتجرد في سبيل العقيدة، يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع، ولم تكن الدنيا همهم ولا المال مقصدهم، فلما عرفوا سبب منع الأعطيات عنهم أعلنوا رضاهم بذلك ما دام فيه إعزاز الإسلام ومصلحة العقيدة التي يفتدونها بكل عزيز وغال من نفس ومال. وكيف لا يرضون وقد أدركوا أن الرسول القائد قدمهم على سواهم، واعتمد على إخلاصهم للعقيدة ووكلهم إلى إيمانهم فكانوا عند حسن ظنه بهم .


سلسلة السيرة النبوية 🔻قسمة الغنائم


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع