مدونة مسعد عامر سيدون المهري


حين تسكن المدينةُ شاعرًا.. قراءة في نصوص كتاب صنعاء للمقالح

مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry


29/04/2023 القراءات: 508  


عندما نتحدث عن الجمال لابد من الإشارة إلى طبيعته التي تتحدد في كونه نسق متكامل من الملامح والصفات وأن التركيز على بعضها لا يغني عن بقيتها، ربما تنطبق هذه الفقرة على جماليات المكان في شعر عبدالعزيز المقالح، وهو يفرد ديوانا كاملا عن مدينته صنعاء التي حوت كل فن.
في القصيدة الخامسة يدعو الشاعر القارئ أن يترك كل وسائل الإعلام البصرية والسمعية، وأن يمارس بذاته تذوق الجمال الصنعاني، مستخدما طائفة من المنبهات اللغوية، مثل فعل الأمر ( ترجّلْ، ضعْ، تلفْت) وهي أفعال كما نرى تستثير النقطة الابعد في النفس، فليس وراءها إلا الاستجابة، ثم التماشي مع الشاعر في هذا التذوق الحسي المتوهج. فالفعل ( ترجّل) يحيل إلى الهبوط من أعلى مركوب مثلا ، وهذا ادعى إلى المعاينة التفصيلية المباشرة، على عكس غير المترجل، الراكب مثلا فملاحظته للتفاصيل تكون موجزة ومقتضبة وسريعة. لذلك جاء الفعل ( ضع) واقعا على منفذ ذوقي بامتياز ( شفتيك) لما في الصورة من معان الرضى والقبول،
ترجلْ
وضع شفتيك على باب مسجدها
ويديكَ على خصر مئذنةٍ)
الصورة الجزئية هنا على رغم من كونها تضعنا في ملامح تفصيلية دقيقة للجمال الحسي الشعوري، فإنها تدعونا لاكتشاف المزيد من هذا الجمال الخام الذي تكتنزه، لذا واصل الشاعر إثارة هذا الخام بجمل متلاحقة متعاطفة:
وتلفّت حواليك.. ماذا ترى
عالماً من شموسٍ ومن شرفاتٍ
وأسماءَ منقوشةّ
وزخارف لا تنتهي
وعوالم من كتب،
ومحاربة لا يدرك النوم أجفانها)
أن هذه الدفعة من المثيرات الجمالية تدور حول المتعلق الجمالي الاول وهو المسجد الذي حمل في جدرانه ومحاريبه ذاكرة مكثفة ضخمة ممتدة إلى أعماق الماضي، مفتاحها السحري عبارة ( ضع شفتيك على باب مسجدها) فبمجرد وضع الشفتين تنفتح هذه العوالم المغلقة المدهشة.
في الواقع إن الشاعر يسير بنا في أكناف صورة حسية ساكنة صامتة، لذا نراه ينقلنا من هذا المشهد الصامت إلى مشهد شديد الصلة به، لكنه يختلف عنه، بل يوازيه، أنه مشهد واقعي بكل ملامحه الاجتماعية والإنسانية:
)ومساكين أضنى الفراغ مفاصلهم
وجلسوا القرفصاء
وألقوا براحاتهم في فضاء المكان)
الصورة الواقعية تصب في نهار الجمال المتدفق، فتخلق عالما موازيا للعالم السابق، بين الصمت والحركة يخلق الجمال، تم تتسظى هذه الصورة إلى تفصيلات جمالية ترسم البعد الإنساني إذ يمتزج الصوت بالصمت وتغدو الصورة أكثر تمازجا، أن الشاعر ومن ورائه المتلقي تشغله هذه التفصيلات الجمالية على رغم من تناقضها، لذا نرى الشاعر يتتبع بصريا وشعوريا ملامح هذه الصورة
أصواتهم تشبه الصمت
أو أنه الصمت يشبه أصواتهم
أين تأوي - إذا اقبل الليل - أعضاؤهم
واذا رقدوا أين يخفون
أطياف أحلامهم
عن عيون الظلام؟!
تشير الدراسات النقدية إلى أن الصورة الشعرية تحكمها توزانات لغوية وذوقية في آن، وليس من الإمكان الحديث عن هذه الإمكانات اللغوية دون رسم المشاعر الإنسانية ، لذا نجد المقالح في نصوص كتاب صنعاء كثيرا ما يردف صورة الشعرية بمشاهدها المختلفة بصور واقعية من صميم الشارع، ليجعلك تقرأ القصيدة بمنظار المشاهد، وليشغل هو أيضا وظيفة المخرج السينمائي إلى وظيفته في الإخراج الشعري.


تذوق، نقد ، شعر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع