مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


رَمضْان؛أرواحنا ظَمأى وفَوقَ أكفِّكَ الرَّيانُ(13)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


29/03/2023 القراءات: 392  


في التحذير من الغيبة
ويجب اجتناب الغيبة قال الله تعالى : ﴿ ولا يغتب بعضكم بعضا ﴾ أي لا يتناول بعضكم بعضا بظهر الغيب بما يسوؤه ثم ضرب تعالى للغيبة مثلا فقال : « أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه » ، وعن البراء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن أربى الربى استطالة الرجل في عرض أخيه » . وفي الحديث الآخر : « فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام » .
وعن أبي هريرة مرفوعا : « أن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق » . فينبغي أن يقلل كلامه إلا في ذكر الله وما ولاه ليسلم ويغنم .
وعن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق » . رواه أحمد ، وأبو داود .
فإن قيل : ما الغيبة ؟ قيل : قد حدها النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أتدرون ما الغيبة » ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : « ذكرك أخاك بما يكره » . قال ( أحدهم ) : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟
قال : « إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه فقد بهته » . أخرجه مسلم .
ومن الغيبة التمثيليات للأشخاص والهيئات ومحاكاتهم في اللباس على وجه التنقص والاستهتار كما يفعله المنهمكون في أكل لحوم الغوافل . فتكون الغيبة بالتعريض وبالكناية وبالحركة وبالرمز والإشارة باليد وكل ما يفهم منه المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام .
فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي أي قصيرة فقال عليه الصلاة والسلام : « اغتبتها » . وقد روى أبو داود ، والترمذي وصححه ، قول عائشة عن صفية أنها : قصيرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته » .
وأخرج أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال ليلة أسري بالنبي  قال : « ونظر في الباب فإذا قوم يأكلون الجيف ، قال : من هؤلاء يا أخي يا جبريل » ؟ قال الذين يأكلون لحوم الناس » .

وقال صلى الله عليه وسلم : « من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها في جهنم ، ومن كسي ثوبا برجل مسلم فإنه يكسوه مثله في جهنم ، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة » . رواه أبو داود .
فالغيبة عادة مرذولة ، كثيرا ما تقطع الصلة بين الناس ، وتثير الأحقاد ، وتشتت الشمل ، ثم هي مع ذلك مضيعة للوقت بالاشتغال بما يضر الإنسان ، ولا ينفعه . ومما تقدم يتبين تحريم الغيبة وخطرها وشرها فإذا يجب الإنكار على المغتاب وردعه .
وقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ما من امرئ يخذل مسلما في موطن تنتهك فيه حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ، وما من امرئ مسلم ينصر امرءا مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته » .
وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من أذل عنده مؤمن وهو يقدر على نصره فلم ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق » .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خطبته : لا يعجبنكم من الرجل طفطفته ولكن من أدى الأمانة ، وكف عن أعراض الناس فهو الرجل . وقال أيضا : كفى بالمرء عيبا أن يستبين له من الناس ما يخفى عليه من نفسه ويمقت الناس على ما يأتي .
قال بعض العلماء : اعلم أن الغيبة مع تحريمها شرعا وعقلا هي عين العجز ونفس اللؤم ودليل النقص تأباها العقول الكاملة والنفوس الفاضلة لما فيها من انحطاط الرتبة وانخفاض المنزلة . قال علي بن الحسين : الغيبة إدام كلاب الناس .
وقال الحسن : يا ابن آدم لن تنال حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك وتبدأ بذلك العيب من نفسك فتصلحه فما تصلح عيبا إلا ترى عيبا آخر فيكون شغلك في خاصة نفسك . وقيل لربيع بن خيثم : ما نراك تعيب أحدا ولا تذمه فقال : ما أنا على نفسي براض فأتفرغ من عيبها إلى غيرها
وبالتالي فخطر اللسان عظيم ليس كغيره من الأعضاء فإن العين لا تصل إلى غير الألوان والصور والأذن لا تصل إلى غير الأصوات واليد لا تصل إلى غير الأجسام واللسان يجول في كل شيء وبه يبين الإيمان من الكفر .
وقد روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه » .



وفي الصحيحين عن أبى هريرة – رضي الله عنه – عن النبي  قال : « إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب » . وأخرج الترمذي ولفظه : « إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الشر ما يعلم مبلغها يكتب الله له بها عليه سخطه إلى يوم القيامة » . رواه في شرح السنة ، ورواه مالك ، والترمذي ، وابن ماجة نحوه .
فالغيبة من آفات اللسان ومن الذنوب التي قل من يسلم منها كالكذب والرياء والربا والمداهنة .
وإذا فهمت ما سبق فاعلم أن الذنوب المتعلقة بحقوق العباد لا تمحى إلا أن عفوا عنها أو ردت لهم مظالمهم ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الدواوين عند الله ثلاثة : ديوان لا يعبأ الله به شيئا ، وديوان لا يترك الله منه شيئا ، وديوان لا يغفره الله فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك بالله » .
قال تعالى : ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ﴾ الآية ، وقال تعالى : ﴿ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ﴾ .
وأما الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين الله من صوم يوم تركه أو صلاة ، فإنه يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء ، وأما الديوان الذي لا يترك منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا القصاص لا محالة . رواه أحمد في مسنده ، والحاكم في مستدركه فظلم العبد نفسه بينه وبين ربه هو أخف الدواوين وأسرعها محوا فإنه يمحى بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ونحو ذلك .


رَمضْان؛أرواحنا ظَمأى وفَوقَ أكفِّكَ الرَّيانُ(13)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع